بني يزناسن و الاحتلال الفرنسي
بموجب إتفاق بين الدول الاستعمارية بريطانيا وإيطاليا وفرنسا حول توزيع دول شمال إفريقيا فيما بينها. قررت فرنسا إحتلال المغرب، فاتخذت حادثة مقتل الطبيب الفرنسي موشان بمراكش يوم 19 مارس 1907 ذريعة لتنفيذ مخططها الاستعماري، ونجحت في ذلك بعدما حصلت على موافقة كل من بريطانيا والمانيا واسبانيا، فاستعمرت مدينة وجدة صباح يوم 29 مارس 1907 بدون اي قتال او مقاومة تذكر لا من المخزن ولا من السكان، بل حتى اهل انكاد لم يظهروا اي مقاومة أثناء اختراق الجيش الفرنسي مجالهم الترابي.
ثار بنو يزناسن ضد هذا الاحتلال الاجنبي، بعدما فشلت كل محاولات الجنرال اليوطي لاستمالتهم والتقبل بالامر الواقع، اجمع رأيهم على إنتداب السيد المختار³ بن الحاج محيي الدين بوتشيش لرئاسة قيادة المجاهدين، استمر اليزناسنيون في محاربة الفرنسيين على طول الحدود الفاصلة بين المغرب والجزائر. كانت معنويات الجيش الفرنسي جد عالية لا من ناحية الكثافة ولا من ناحية العدة، وخصوصا المدفعية التي كانت تعتبر السلاح الحاسم في المعارك الكبرى السابقة، كمعركة اسلي ومعركة 1859م. رغم هذا كله فقد ابان بنو يزناسن عن شجاعتهم وبسالتهم لصدهم لاي عدوان غاشم، فقد كانوا يقاومون مقاومة شرسة ويكبدون المعتدي خسائر فادحة.
ومن المعارك التي وقعت بين الجانبين هي:
ــ هجوم بني يزناسن على ثكنة عسكرية فرنسية بالموقع المعروف مناصب كيس شرق مدينة أحفير.
ــ معركة باب العسة التي دمر فيها بنو يزناسن معمل الحلفاء والدوم. وتخليدا لقتلاها الذين سقطوا في هذه المعركة شيدت فرنسا نصبين تذكاريين الاول بالغزوات والاخر بمغنية .
بموجب إتفاق بين الدول الاستعمارية بريطانيا وإيطاليا وفرنسا حول توزيع دول شمال إفريقيا فيما بينها. قررت فرنسا إحتلال المغرب، فاتخذت حادثة مقتل الطبيب الفرنسي موشان بمراكش يوم 19 مارس 1907 ذريعة لتنفيذ مخططها الاستعماري، ونجحت في ذلك بعدما حصلت على موافقة كل من بريطانيا والمانيا واسبانيا، فاستعمرت مدينة وجدة صباح يوم 29 مارس 1907 بدون اي قتال او مقاومة تذكر لا من المخزن ولا من السكان، بل حتى اهل انكاد لم يظهروا اي مقاومة أثناء اختراق الجيش الفرنسي مجالهم الترابي.
ثار بنو يزناسن ضد هذا الاحتلال الاجنبي، بعدما فشلت كل محاولات الجنرال اليوطي لاستمالتهم والتقبل بالامر الواقع، اجمع رأيهم على إنتداب السيد المختار³ بن الحاج محيي الدين بوتشيش لرئاسة قيادة المجاهدين، استمر اليزناسنيون في محاربة الفرنسيين على طول الحدود الفاصلة بين المغرب والجزائر. كانت معنويات الجيش الفرنسي جد عالية لا من ناحية الكثافة ولا من ناحية العدة، وخصوصا المدفعية التي كانت تعتبر السلاح الحاسم في المعارك الكبرى السابقة، كمعركة اسلي ومعركة 1859م. رغم هذا كله فقد ابان بنو يزناسن عن شجاعتهم وبسالتهم لصدهم لاي عدوان غاشم، فقد كانوا يقاومون مقاومة شرسة ويكبدون المعتدي خسائر فادحة.
ومن المعارك التي وقعت بين الجانبين هي:
ــ هجوم بني يزناسن على ثكنة عسكرية فرنسية بالموقع المعروف مناصب كيس شرق مدينة أحفير.
ــ معركة باب العسة التي دمر فيها بنو يزناسن معمل الحلفاء والدوم. وتخليدا لقتلاها الذين سقطوا في هذه المعركة شيدت فرنسا نصبين تذكاريين الاول بالغزوات والاخر بمغنية .
نصب تذكاري اقامه الفرنسيون بمغنية تخليدا لقتلاهم في معارك ضد بني يزناسن نصب تذكاري اقامه الفرنسيون بالغزوات تخليدا لقتلاهم في معركة باب العسة
17 نوفنبر 1907
17 نوفنبر 1907
ــ معركة أذراع اللوز بقبيلة أولاد الزعيم ولا سيما القتال المحتدم بالمحل المسمى تمطمات، وفي هذا المحل استشهد كل من البطل أحمد البرحيلي من قسم بني منقوش، الذي ربط نفسه مع ثلاثة اولاده مع شجرة سدرة وصاروا يقاتلون إلى أن استشهدوا كلهم في سبيل الذود عن حوزة الوطن، والبطل محمد بن رمضان ( ابن عم أحمد البرحيلي)، والبطل رمضان الكاضي الزعيمي، الشيخ محمد الذي اصيب بجروح في رجله فمات منها بعد، والبطل أحمد بن عبد الله من أولاد بوجمعة التحاتة من اولاد الزعيم، والبطل عبد الرحمن بن الحاج محمد العزاوي. حتى النساء شاركن في القتال بصفة تبعث على الاعجاب، ومن جملة من استشهد منهن البطلة عطوانة العزاوية. واستشهد من غير هؤلاء الكثيرون من الابطال رحمهم الله.
ويبدو لنا ان السيد المختار بوتشيش كان على إطلاع كامل بأهمية الجيش الفرنسي، بالاضافة الى عدم وجود اسلحة وذخائر للمجاهدين اليزناسنيين، وعدم التكافؤ في ميزان القوى، وان فرنسا قد احتلت مناطق مهمة من المغرب واتصالها ببعض الخونة الذين كانوا يمدونهم باخبار المجاهدين. لذلك عزم على عدم استمراره كقائد للعمليات العسكرية. رغم هذا القرار فقد إستمر بنو يزناسن في الدفاع عن اراضيهم ومقاتلتهم للعدو إلى آخر رمق من حياتهم. قاوموا سنة كاملة إلى أن جرد عليهم اليوطي جيشا كبيرا، فأخضعهم قهرا وكان ذلك في 25 مارس سنة 1908م .
رغم أن المقاومة اليزناسنية لم تحقق الهدف المنشود ألا وهو إبعاد ودحر الغزاة، إلا انها كانت محاولة للصمود والتصدي للمحتلين، وبذلك ظلت وقائعها موشومة في الذاكرة الجماعية لبني يزناسن. كان على رأس هذه المقاومة السيد المختار بوتشيش شيخ الزاوية البوتشيشية الذي نجح في جمع شمل اليزناسنيين وعمل على تجاوز الخلافات بين الزعامات القبلية. هذه المقاومة أغضبت الجنرال ليوطي فقام بفرض حصار عليهم، ومنعهم من حرث أرضهم، وفرق كل التجمعات القبلية. بالاضافة إلى تنفيذ عمليات عسكرية منها تدمير مقر الزاوية البوتشيشية يوم 6 دجنبر 1907. وبذلك أخذت الحالة تضطرب في بني يزناسن وقل السلاح والزاد، فضاقت الحال بالمجاهدين مما أدى بالشيخ المختار بوتشيش للاستسلام للجنرال ليوطي يوم 31 دجنبر 1907 قرب أغبال ببني خالد.
بعد إستسلام أمير الجهاد السيد المختار وإلقاء القبض على بعض رموز القيادة من أمثال محمد بالحسن وعمر ولد محمد خمدت نار المقاومة، فإكتسح الجنرال ليوطي جبال بني يزناسن، ثم دخلت بلاد بني يزناسن مرحلة الاستعمار، وتعرض بنو يزناسن لمختلف انواع الاهانة والتنكيل وأساليب التعذيب تقشعر لها الابدان.
ولما لاحظت فرنسا ان اليزناسنيين يحاربون بكل شجاعة وبسالة وانهم اقسى المحاربين وانهم ليس من السهل ان يستسلموا، أطلقت على دباباتها اسم "بني يزناسن". وهذا إعتراف لبني يزناسن بقوة بأسهم في الحروب .
الاغتصاب الفرنسي لأراضي بني يزناسن
لما دخل المستعمر الفرنسي الى بني يزناسن، وبعد التشريد والتعذيب للاهالي، بدأ يستحوذ على سهل تريفة خاصة لانه كان خصبا وكثير المياه، ولهذا فقد عمل المعمرون على بذل كافة جهودهم للاستيلاء على سهل تريفة مستغلين بذلك الظروف المعيشية المزرية التي كان يعيشها اصحاب هذه الاراضي. وهناك عوامل ساعدت المعمرين على الاستحواذ على الاراضي منها جهل الاهالي بقيمة ارضهم، وعدم فطنتهم لعمليات الغش والتزوير في تقدير المساحة ويثقون ثقة عمياء في الاوروبي متى قبضوا منه عربونا يمثل ثلث او نصف الثمن المتفق عليه، فيسلموه ارضهم وفي الغالب لايتوصل البائع بباقي المبلغ المتفق عليه. ومن الاسباب التي شجعت المعمرين الفرنسيين على إقتناء مساحات شاسعة من اراضي سهل تريفة انخفاض الاسعار مقارنة مع الاسعار المعمول بها غرب الجزائر، وقد فسرت المصادر الفرنسية هذه الظاهرة بكون هذه الاراضي بحاجة الى اعمال استصلاحية كبيرة، غير ان الاصح هو ان اصحاب هذه الاراضي كانوا لا يدركون آنذاك قيمتها الحقيقية، حيث كانت وسائل الاستغلال بدائية فضلا عن الحاجة والفاقة التي كانت وراء بيعهم لاراضيهم.
عملية تفويت الاراضي المغربية للمعمرين
بما ان عملية البيع بين المغاربة والمعمرين الفرنسيين كانت غير قانونية ـــ المغربي لا يجوز له ان يبيع ارضه لمعمر فرنسي ـــ وحتى تكون عملية البيع قانونية فقد اشارت السلطات الفرنسية على المعمرين بتسخير وسطاء جزائريين بهدف إقتناء الارض ـــ وهذه العملية قانونية بصفة الشاري الجزائري مسلما ــ ثم يفوت الشاري الجزائري الارض للمعمر الفرنسي بواسطة عقد عرفي خاص. وقد إستمر اللجوء الى الوسيط الجزائري كحل معتمد في نقل حقوق الملكية للمعمرين. هذا الاجراء كان مقبولا ومعترفا به من طرف مفوضية وجدة مما اعطى للمعمرين بعض الضمانات في اقتناء الاراضي بسهل تريفة.
بهذه الطريقة بلغت مجموع الاراضي التي فوتت للمعمرين بسهل تريفة سنة 1909م 7 الاف هكتار، وبعد سنة تملك الفرنسيون 15 الف هكتار، وفي سنة 1917م 30.000 هكتار، وللاشارة فان جل هؤلاء المعمرين كانوا من غرب الجزائر .
إستعملت فرنسا جميع ممارسات التعسف والتحايل والتزوير في تفويت الاراضي مبررة ذلك بمنطق الاستعمار، وتعاضد معها قاضي وجدة الحاج العربي بلحبيب المشرفي الذي كانت تباع الاملاك على يديه برسوم باطلة وقد تواطأ معه قاضي ابركان ادريس اليعقوبي. وقد ترتب على المعاملات ترد في اوضاع المعيشية لليزناسنيين، اما المخزن المغربي فكان غائبا، وهو مايفسر احتكار القرار من طرف سلطات الاحتلال حيث لم يعد الحضور المخزني إلا امرا شكليا بالمغرب الشرقي.
إصدار الظهير البربري
لقد تم إصدار الظهير البربري 1930م الذي انكبت على إعداده لجنة من رجال القانون الفرنسيين لإحداث تغييرات في نظام القضاء الخاص بالبربر بمعزل عن المخزن، فكان ذلك تعبيرا عمليا عن سياسة فرنسا للقضاء على مقومات الشعب المغربي وتمزيق وحدته تمهيدا لإدماجه. وقد عبر عن ذلك أحد أساتذة المدرسة الاستعمارية الفرنسية وهو جودفروا دومنين حيث كتب: " من الخطر ان نترك كتلة ملتحمة من المغاربة لها لغة واحدة وأنظمة واحدة، لابد ان نستعمل في حقها الشعار القديم فرق تسد " وأثار هذا الظهير موجة من الاحتجاجات أظهرت حدة الشعور الوطني، وعمت أغلب مدن المغرب. وكان الساخطون الذين اجتمعوا في المساجد يدعون الله ان لا يفرق بين المغاربة من ذوي الأصل العربي وإخوانهم من ذوي الأصل الامازيغي.
ولم يقف بنو يزناسن مكتفوا الأيدي أمام الإجراء التعسفي الذي يجعل ¾ من ساكنة البلاد خاضعا للقوانين العرفية والفرنسية ويجردها من اللغة العربية. فقد اهتزت الأرجاء وأخذ الناس يقرئون اللطيف تحسرا على ما حل باخوانهم بالأطلس ويتوقعون أن يشملهم خصوصا وأن معظم بني يزناسن يتحدثون بالأمازيغية. وكان قد شاع في اوساطهم ان المنطقة سيشملها الظهير فتقفل المحاكم الشرعية ويطرد القضاة وتقفل المساجد، ورغم ان بني يزناسن كانوا يسخطون على القضاة والمحاكم الشرعية فقد تناسوا ذلك وهددوا بالقيام برد فعل قوي إذا أقدمت فرنسا على تطبيق الظهير بمنطقتهم فلم يكن امام إدارة المراقبة إلا أن تستدعي القواد وكبار رجال المنطقة لتخبرهم بان الظهير كان يطلب من بعض القبائل التي رغبت بان تحاكم باعرافها بسبب شطط قضاة المحاكم الشرعية.
وإضافة الى الاستياء الذي عبر عنه أهل المنطقة يروي السيد قدور الورطاسي بان أحد أبناء بني يزناسن وهو محمد بن بومدين اليعقوبي قد أرسل برقية احتجاج حوكم بسببها لمدة شهر .
وهكذا فقد شكل هذا الظهير هزة قوية للسكان جعلتهم يعون خطورة الوضع ويشعرون بالنوايا الحقيقية للإدارة الفرنسية التي سعت للتفريق بين عناصر الشعب المغربي وجعلتهم يقتنعون بضرورة التكتل والعمل لجلاء المستعمر .
التعليم في عهد الاستعمار
قامت فرنسا بتاسيس مجموعة من المدارس العصرية موهمة الناس بسعيها لنشر الثقافة والعلم، الا انها كانت في واقع الأمر تطمح لتكوين عدد من المساندين لسياستها وتخريج طائفة من القواد والأعوان لتتمكن من تمرير سياستها بواسطة عناصر محلية، ومن الطبيعي ان يدخلوا ابناء المغاربة الى هذه المدارس الفرنسية ويتعلمون فيها التعليم الفرنسي الذي يقطع كل الصلة بمكونات الشعب المغربي من ثقافة وعقيدة ودين وإحياء للروح الوطنية. ومما يدل على ذلك وقوفها في وجه تاسيس المدارس القرآنية وإغلاق بعضها، ووقفت الإدارة الفرنسية خاصة ضد القرويين لما له من توجيه إسلامي عميق وواسع الآفاق، واول من لمس هذه الأهمية هو ليوطي الذي رفع تقريرا مفصلا لدولته جاء فيه بان لا خوف على الاستعمار سوى من القرويين الذي سماه "البيت المظلم"، وأقض رواده مضجعه، فصرح بقوله: "لا أخاف على وضعيتنا إلا من أصحاب هذه الجلابيب والبرانس الذين يترددون على القرويين ليتحلق الطلبة حولهم، فيبثون فيهم من روحهم الإسلامية المتعصبة، قبل أن يلقنوهم دروسا في الشريعة الإسلامية"، لذا فإن سلطات الحماية بالمنطقة اليزناسنية كانت تسخر الدعاية ضد القرويين والعلماء. وتنشر بين الناس أن أهل الوطنية السياسية يتنكرون لأولياء الله لتثبطهم عن إرسال أبنائهم للقرويين . لكن بني يزناسن لا يخفي عليهم هذه السياسة الاستعمارية الجديدة، فقد خبروا فرنسا جيدا وعلموا جيدا نواياها الخبيثة، لكن اغلب طلبة بني يزناسن كانوا يدرسون في المدارس الحرة (القرآنية) وفي المساجد لحفظ كتاب الله. ثم يتمون دراستهم بمعهد وجدة الذي يعتبر المحطة الاولى في مسار تعليم ابناء بني يزناسن، ثم بعد ذلك ومنذ سنة 1933م أخذ الطلبة اليناسنيون يشدون الرحال الى جامع القرويين بفاس. حيث ترعرع فيهم الاحساس الوطني وتشبعوا بالافكار التحررية وتنمية شعورهم بالمسئولية تجاه الوطن والدفاع عنه. من هذا المبدأ بدأت الحركات الوطنية في التأسيس .
ومن المحطات الاخرى التي كان يتوافد عليها اليزناسنيون لتحصيل العلم وخصوصا الفقه هي تلمسان و بلعباس ومازونة، وزاوية الهامل بالجزائر.
زيارة محمد الخامس إلى بني يزناسن
في خريف سنة 1934م قام محمد الخامس بزياة إلى بني يزناسن، وصل الى ابركان عن طريق تافوغالت ثم عبر طريق زكزل. فلما وصل جلالتة الى ابركان استقبل احر استقبال بجميع انواع الافراح بزغاريد وهتافات رغم وشايات الفرنسيين الكاذبة ان اليزناسنيين لايحبون محمد الخامس وأنهم يترصدون به ويغتالونه. هذه اباطيل كاذبة جد خطيرة اشاعها الفرنسيون من اجل عدم حدوث هذه الزيارة الميمونة. لكن محمد الخامس لم يلقي لهم بالا وقام بهذه الزيارة لانه يعلم علم يقين بان بني يزناسن مخلصون له وانهم على الولاء والطاعة كما كانوا من قبل وخصوصا مع المولى عبد الرحمن الذي شاهد كيف جاهد اليزناسنيون مع الامير عبد القادر ضد الفرنسيين. ونظرا للاستعدادات الكبيرة والحماس الذي عبر عنه كافة اليزناسيون شعر المراقب الذي كان على راس ابركان وهو اموانس بخطورة الموقف لذا طلب تمكينه من الإجازة السنوية خوفا من حدوث ما لا تحمد عقباه .
أثناء هذه الزيارة توصل محمد الخامس بعديد من شكاوي ضد الفرنسيين ومعاملاتهم واعتداءاتهم المتكررة، فالبفعل فبمجرد وصوله الى عاصمة ملكه ظهرت نتائج الشكاوي والرسائل التي سلمت له بما في ذلك إسقاط كل انواع المعاملات من رهان وربا التي كانت الابناك قد اثقلت به اليزناسنيين .ان لهذه الزيارة والتي ازدوجت بتقديم المطالب العامة التي وصل صداها للمنطقة وكذا رجوع جملة من الأراضي لأصحابها ان ايقظت الشعور الوطني واصبح الناس على استعداد لتقبل الأفكار الوطنية خصوصا وانهم قد شعروا بوجود سلطة شرعية مغتصبة قد آن الأوان للمطالبة باسترجاعها .
وعقب الاستقلال وبالضبط في شهر شتنبر 1956 قام بزيارة ثانية لبني يزناسن ليتفقد امور الرعية ويوزع اراضي على الفلاحين الصغار، فتفضل رحمه الله بتوزيع 146 قطعة ارضية على الفلاحين نواحي مدينة أكليم.
لما دخل المستعمر الفرنسي الى بني يزناسن، وبعد التشريد والتعذيب للاهالي، بدأ يستحوذ على سهل تريفة خاصة لانه كان خصبا وكثير المياه، ولهذا فقد عمل المعمرون على بذل كافة جهودهم للاستيلاء على سهل تريفة مستغلين بذلك الظروف المعيشية المزرية التي كان يعيشها اصحاب هذه الاراضي. وهناك عوامل ساعدت المعمرين على الاستحواذ على الاراضي منها جهل الاهالي بقيمة ارضهم، وعدم فطنتهم لعمليات الغش والتزوير في تقدير المساحة ويثقون ثقة عمياء في الاوروبي متى قبضوا منه عربونا يمثل ثلث او نصف الثمن المتفق عليه، فيسلموه ارضهم وفي الغالب لايتوصل البائع بباقي المبلغ المتفق عليه. ومن الاسباب التي شجعت المعمرين الفرنسيين على إقتناء مساحات شاسعة من اراضي سهل تريفة انخفاض الاسعار مقارنة مع الاسعار المعمول بها غرب الجزائر، وقد فسرت المصادر الفرنسية هذه الظاهرة بكون هذه الاراضي بحاجة الى اعمال استصلاحية كبيرة، غير ان الاصح هو ان اصحاب هذه الاراضي كانوا لا يدركون آنذاك قيمتها الحقيقية، حيث كانت وسائل الاستغلال بدائية فضلا عن الحاجة والفاقة التي كانت وراء بيعهم لاراضيهم.
عملية تفويت الاراضي المغربية للمعمرين
بما ان عملية البيع بين المغاربة والمعمرين الفرنسيين كانت غير قانونية ـــ المغربي لا يجوز له ان يبيع ارضه لمعمر فرنسي ـــ وحتى تكون عملية البيع قانونية فقد اشارت السلطات الفرنسية على المعمرين بتسخير وسطاء جزائريين بهدف إقتناء الارض ـــ وهذه العملية قانونية بصفة الشاري الجزائري مسلما ــ ثم يفوت الشاري الجزائري الارض للمعمر الفرنسي بواسطة عقد عرفي خاص. وقد إستمر اللجوء الى الوسيط الجزائري كحل معتمد في نقل حقوق الملكية للمعمرين. هذا الاجراء كان مقبولا ومعترفا به من طرف مفوضية وجدة مما اعطى للمعمرين بعض الضمانات في اقتناء الاراضي بسهل تريفة.
بهذه الطريقة بلغت مجموع الاراضي التي فوتت للمعمرين بسهل تريفة سنة 1909م 7 الاف هكتار، وبعد سنة تملك الفرنسيون 15 الف هكتار، وفي سنة 1917م 30.000 هكتار، وللاشارة فان جل هؤلاء المعمرين كانوا من غرب الجزائر .
إستعملت فرنسا جميع ممارسات التعسف والتحايل والتزوير في تفويت الاراضي مبررة ذلك بمنطق الاستعمار، وتعاضد معها قاضي وجدة الحاج العربي بلحبيب المشرفي الذي كانت تباع الاملاك على يديه برسوم باطلة وقد تواطأ معه قاضي ابركان ادريس اليعقوبي. وقد ترتب على المعاملات ترد في اوضاع المعيشية لليزناسنيين، اما المخزن المغربي فكان غائبا، وهو مايفسر احتكار القرار من طرف سلطات الاحتلال حيث لم يعد الحضور المخزني إلا امرا شكليا بالمغرب الشرقي.
إصدار الظهير البربري
لقد تم إصدار الظهير البربري 1930م الذي انكبت على إعداده لجنة من رجال القانون الفرنسيين لإحداث تغييرات في نظام القضاء الخاص بالبربر بمعزل عن المخزن، فكان ذلك تعبيرا عمليا عن سياسة فرنسا للقضاء على مقومات الشعب المغربي وتمزيق وحدته تمهيدا لإدماجه. وقد عبر عن ذلك أحد أساتذة المدرسة الاستعمارية الفرنسية وهو جودفروا دومنين حيث كتب: " من الخطر ان نترك كتلة ملتحمة من المغاربة لها لغة واحدة وأنظمة واحدة، لابد ان نستعمل في حقها الشعار القديم فرق تسد " وأثار هذا الظهير موجة من الاحتجاجات أظهرت حدة الشعور الوطني، وعمت أغلب مدن المغرب. وكان الساخطون الذين اجتمعوا في المساجد يدعون الله ان لا يفرق بين المغاربة من ذوي الأصل العربي وإخوانهم من ذوي الأصل الامازيغي.
ولم يقف بنو يزناسن مكتفوا الأيدي أمام الإجراء التعسفي الذي يجعل ¾ من ساكنة البلاد خاضعا للقوانين العرفية والفرنسية ويجردها من اللغة العربية. فقد اهتزت الأرجاء وأخذ الناس يقرئون اللطيف تحسرا على ما حل باخوانهم بالأطلس ويتوقعون أن يشملهم خصوصا وأن معظم بني يزناسن يتحدثون بالأمازيغية. وكان قد شاع في اوساطهم ان المنطقة سيشملها الظهير فتقفل المحاكم الشرعية ويطرد القضاة وتقفل المساجد، ورغم ان بني يزناسن كانوا يسخطون على القضاة والمحاكم الشرعية فقد تناسوا ذلك وهددوا بالقيام برد فعل قوي إذا أقدمت فرنسا على تطبيق الظهير بمنطقتهم فلم يكن امام إدارة المراقبة إلا أن تستدعي القواد وكبار رجال المنطقة لتخبرهم بان الظهير كان يطلب من بعض القبائل التي رغبت بان تحاكم باعرافها بسبب شطط قضاة المحاكم الشرعية.
وإضافة الى الاستياء الذي عبر عنه أهل المنطقة يروي السيد قدور الورطاسي بان أحد أبناء بني يزناسن وهو محمد بن بومدين اليعقوبي قد أرسل برقية احتجاج حوكم بسببها لمدة شهر .
وهكذا فقد شكل هذا الظهير هزة قوية للسكان جعلتهم يعون خطورة الوضع ويشعرون بالنوايا الحقيقية للإدارة الفرنسية التي سعت للتفريق بين عناصر الشعب المغربي وجعلتهم يقتنعون بضرورة التكتل والعمل لجلاء المستعمر .
التعليم في عهد الاستعمار
قامت فرنسا بتاسيس مجموعة من المدارس العصرية موهمة الناس بسعيها لنشر الثقافة والعلم، الا انها كانت في واقع الأمر تطمح لتكوين عدد من المساندين لسياستها وتخريج طائفة من القواد والأعوان لتتمكن من تمرير سياستها بواسطة عناصر محلية، ومن الطبيعي ان يدخلوا ابناء المغاربة الى هذه المدارس الفرنسية ويتعلمون فيها التعليم الفرنسي الذي يقطع كل الصلة بمكونات الشعب المغربي من ثقافة وعقيدة ودين وإحياء للروح الوطنية. ومما يدل على ذلك وقوفها في وجه تاسيس المدارس القرآنية وإغلاق بعضها، ووقفت الإدارة الفرنسية خاصة ضد القرويين لما له من توجيه إسلامي عميق وواسع الآفاق، واول من لمس هذه الأهمية هو ليوطي الذي رفع تقريرا مفصلا لدولته جاء فيه بان لا خوف على الاستعمار سوى من القرويين الذي سماه "البيت المظلم"، وأقض رواده مضجعه، فصرح بقوله: "لا أخاف على وضعيتنا إلا من أصحاب هذه الجلابيب والبرانس الذين يترددون على القرويين ليتحلق الطلبة حولهم، فيبثون فيهم من روحهم الإسلامية المتعصبة، قبل أن يلقنوهم دروسا في الشريعة الإسلامية"، لذا فإن سلطات الحماية بالمنطقة اليزناسنية كانت تسخر الدعاية ضد القرويين والعلماء. وتنشر بين الناس أن أهل الوطنية السياسية يتنكرون لأولياء الله لتثبطهم عن إرسال أبنائهم للقرويين . لكن بني يزناسن لا يخفي عليهم هذه السياسة الاستعمارية الجديدة، فقد خبروا فرنسا جيدا وعلموا جيدا نواياها الخبيثة، لكن اغلب طلبة بني يزناسن كانوا يدرسون في المدارس الحرة (القرآنية) وفي المساجد لحفظ كتاب الله. ثم يتمون دراستهم بمعهد وجدة الذي يعتبر المحطة الاولى في مسار تعليم ابناء بني يزناسن، ثم بعد ذلك ومنذ سنة 1933م أخذ الطلبة اليناسنيون يشدون الرحال الى جامع القرويين بفاس. حيث ترعرع فيهم الاحساس الوطني وتشبعوا بالافكار التحررية وتنمية شعورهم بالمسئولية تجاه الوطن والدفاع عنه. من هذا المبدأ بدأت الحركات الوطنية في التأسيس .
ومن المحطات الاخرى التي كان يتوافد عليها اليزناسنيون لتحصيل العلم وخصوصا الفقه هي تلمسان و بلعباس ومازونة، وزاوية الهامل بالجزائر.
زيارة محمد الخامس إلى بني يزناسن
في خريف سنة 1934م قام محمد الخامس بزياة إلى بني يزناسن، وصل الى ابركان عن طريق تافوغالت ثم عبر طريق زكزل. فلما وصل جلالتة الى ابركان استقبل احر استقبال بجميع انواع الافراح بزغاريد وهتافات رغم وشايات الفرنسيين الكاذبة ان اليزناسنيين لايحبون محمد الخامس وأنهم يترصدون به ويغتالونه. هذه اباطيل كاذبة جد خطيرة اشاعها الفرنسيون من اجل عدم حدوث هذه الزيارة الميمونة. لكن محمد الخامس لم يلقي لهم بالا وقام بهذه الزيارة لانه يعلم علم يقين بان بني يزناسن مخلصون له وانهم على الولاء والطاعة كما كانوا من قبل وخصوصا مع المولى عبد الرحمن الذي شاهد كيف جاهد اليزناسنيون مع الامير عبد القادر ضد الفرنسيين. ونظرا للاستعدادات الكبيرة والحماس الذي عبر عنه كافة اليزناسيون شعر المراقب الذي كان على راس ابركان وهو اموانس بخطورة الموقف لذا طلب تمكينه من الإجازة السنوية خوفا من حدوث ما لا تحمد عقباه .
أثناء هذه الزيارة توصل محمد الخامس بعديد من شكاوي ضد الفرنسيين ومعاملاتهم واعتداءاتهم المتكررة، فالبفعل فبمجرد وصوله الى عاصمة ملكه ظهرت نتائج الشكاوي والرسائل التي سلمت له بما في ذلك إسقاط كل انواع المعاملات من رهان وربا التي كانت الابناك قد اثقلت به اليزناسنيين .ان لهذه الزيارة والتي ازدوجت بتقديم المطالب العامة التي وصل صداها للمنطقة وكذا رجوع جملة من الأراضي لأصحابها ان ايقظت الشعور الوطني واصبح الناس على استعداد لتقبل الأفكار الوطنية خصوصا وانهم قد شعروا بوجود سلطة شرعية مغتصبة قد آن الأوان للمطالبة باسترجاعها .
وعقب الاستقلال وبالضبط في شهر شتنبر 1956 قام بزيارة ثانية لبني يزناسن ليتفقد امور الرعية ويوزع اراضي على الفلاحين الصغار، فتفضل رحمه الله بتوزيع 146 قطعة ارضية على الفلاحين نواحي مدينة أكليم.
بنو يزناسن والحرب الريفية بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي
لقد كان بنو يزناسن يتتبعون سير المعارك في الريف بكل عناية واهتمام ، ويقومون بالدعاية للالتحاق بالمجاهدين الريفيين ونصرتهم بكل أنواع المساعدات المادية والمعنوية. هذه الحرب الريفية بعثت الروح الوطنية من جديد إلى بني يزناسن والتحق عدد كبير منهم بالمجاهدين الريفيين منهم العلامة العارف بالله السيد علي العياشي العتيقي الموساوي، فقد تخلى رحمه الله عن كل ما كان يزاوله من تدريس وانقطع الى الجهاد في سبيل الله ونصرة اخوانه الريفيين ومازال يجاهد في سبيل الله إلى أن أصيب بشظية من قنبلة طائرة إسبانية فالتحق بالرفيق الاعلى في دمائه العطرة الزكية.
كان الفرنسيون يراقبون اليزناسنيين أشد المراقبة ويحصون عليهم الانفاس، ويتفقدون القرى والمداشر حتى لا يلتحق اي أحد بالمجاهدين الريفيين، ومع ذلك فقد تسرب العديد منهم إلى الريف.