الحملات الفرنسية 1852 - 1856
بعد الهزيمة العسكرية للمغرب في معركة اسلي، اعقبتها هزيمة سياسية اخرى تتمثل في توقيع معاهدتي طنجة وللامغنية. إن اهم بند في معاهدة للامغنية هو تغيير الحدود من وادي تافنا الى وادي كيس، وبموجب نقل الحدود أصبحت بعض القبائل المغربية تابعة للسلطة الفرنسية، فقد كانت المشاكل تتراكم بين القبائل المتاخمة للحدود المغربية الجزائرية سنة بعد اخرى من جراء تشابك المصالح، ففي 4 ابريل 1852 قام 400 من المشاة ومثلهم من الفرسان ممن بني ادرار وأولاد الغازي وأولاد المنكار والمزاوير بالهجوم على أولاد ملوك من قبيلة بني واسين التي صارت ضمن القبائل الجزائرية بعد اتفاقية للا مغنية، وكان على رأس المجاهدين محمد المكي رأس زاوية أولاد سيدي رمضان. وكان مشكل المراعي هو أصل النزاع بين الطرفين، حيث تطاولت فرقة أولاد ملوك على المراعي التي كانت ملكا لبني يزناسن قبل تعيين خط الحدود، وظل هؤلاء متمسكين بحقهم في الارض رغم أنها أصبحت ضمن التراب الجزائري. في هذه الوقعة كان القتال على أشده، وفقد أولاد ملوك 17 قتيلا و 17 جريحا وتكبد بنو يزناسن 50 قتيلا. فعلى إثر هذه الهجومات حشد الجنرال دو منتوبان De Montauban في 10 ابريل 1852م ستة آلاف من المشاة واكثر من الف فارس وفرقة من المدفعية قرب مناصب كيس، ثم اكتسح ديار بني ادرار ولمزاوير بالجرف الاحمر وبفج الكربوص، واولاد الغازي واولاد بن عزة باغبال وسيدي ميمون(1)، وسيدي ميمون هذا هو عبارة عن قبة شرق أغبال، وقبيل الظهيرة تراجع الى التراب الجزائري محملا بالغنائم المتنوعة(2).
ورغم احتجاج العامل محمد بن الطاهر أعاد الكرة في 14 و 15 ماي بمنطقة أغبال، وفي 15 يونيو قام الفرنسيون بإفراغ مطامير زاوية اولاد سيدي رمضان فتلاحم المجاهدون بالمعتدين التحام الابطال والقوا عليهم الصخور من المرتفعات فدكوهم دكا وكسروا شوكتهم، وفي 24 يونيو أحرقت عدة قرى بأولاد المنكار وأولاد الغازي بعد مقاومة شديدة من طرف المجاهدين الذين جاءوا من قبائل بني وريمش وبني أدرار وأولاد المنكار وبني خلوف وبني مريصن وأهل تغجيرت، ولقد تزامنت هذه الحملات العدوانية مع موسم الحصاد فنهبت المحاصيل وفرقت جموع الحصادين بسهل تريفة.
وبما أن قبائل بني يزناسن كانت تتحمل أكثر من غيرها عبء المقاومة ضد الفرنسيين، فقد كانت تطالب سكان المدن والقرى بالمساهمة المادية فيها، بل تفرضها عليها بالقوة مثلما وقع في 1853م، 1854م، و 1855م، إذ هجم القائد ميمون على وجدة عدة مرات، وفي سبتمبر 1854م فرض عليها غرامة قدرها 20 الف فرنك مما جعل بعض الاعيان يلتمسون الحماية الفرنسية.
إستمرت المعارك متقطعة بين بني يزناسن والجيش الفرنسي ثلاثة أشهر (ابريل وماي ويونيو)، واستنجدت قبائل بني يزناسن بالمخزن أثناء هذه المحنة، فتدخل محمد عبد الصادق الذي كان على رأس محلة مخزنية بالريف، وتفاوض مع قواد الجيش الفرنسي قصد انهاء المعارك، فتم له ذلك وتراجع الجيش الفرنسي شرق واد كيس. وقد أراد السلطان مولاي عبد الرحمان ان يعفيهم من الضرائب مدة من الزمن جبرا لحالهم واعانة لهم على ما ضاع لهم. فردوا عليه بأنهم لم يقوموا إلا بواجبهم إزاء العدو، ولا يقبلوا أي إعفاء من الواجبات الشرعية(3).
عرفت قبائل بني يزناسن في بداية 1856 عدة صراعات بين افخاذها، فكانت سببا لحملهم السلاح في وجه بعضهم البعض، ولم يكن بمقدور القائد الحاج ميمون دوما السيطرة على الوضع. لكن الاولياء والمرابطين كانوا يقومون ببعض المساعي لاصلاح ذات البين بين الفرق المتناحرة وتمكنوا من اعادة السلام بينهم.
وفي 18 يوليوز 1856، عقد بنو يزناسن ميعادا بصفرو بقيادة الحاج ميمون لانهاء الخصومات المحلية إستعدادا لمواجهة النصارى. وفي 18 نونبر 1856، هاجم بنو يزناسن فرقة المراقبة التي كان يقودها الجنرال دوبوفور عند إنطلاقه من مناصب كيس، لكنهم تراجعوا وألجئوا الى الجبال.
وفي شهر مارس من سنة 1857، أطلق سراح الحاج محمد الزعيمي من قبل السلطان وعاد إلى قبيلته بني خالد محملا بالهدايا، فأصبح مستشارا للحاج ميمون ومسشاركا له في السلطة. وشكلت عودة الحاج محمد الزعيمي بين بني يزناسن مناسبة لظهور منافسات جديدة، رغم أن الحاج ميمون هو من ألح على هذه العودة بقوة، فقد خشي هذا الاخير من رؤية الحاج محمد الزعيمي وهو يستحوذ على جزء من السلطة، فقام يثير الناس ضده مما خلق بعض الشجارات. (4)
___________________
(1):سيدي ميمون هو من الأولياء مجهولي النسب، لا نكاد نعرف عنه تقريبا أي شيء، غير أن الفقيه اليعقوبي ء والد قائد تاغجيرت آنذاك (1944) المكي بن محمد اليعقوبيء الذي كان مولعا بالعلم والمعرفة ويُكنّ للولي المذكور كثيرا من التقديس، حاول تسليط الضوء على حياة سيدي ميمون.
كل ما يُعرف عن سيدي ميمون هو أنه كان يعيش في القرن السادس الهجري ( الثاني عشر ميلادي تقريبا) ، وكان كسائر أولياء المنطقة من أصل بربري. استوطن مدشر جراوة على السفح الجنوبي الغربي بقبيلة منكَوش ببني يزناسن بجبل باب الغـيل (الذراع) ، وهو ما يعرف في الخرائط الطوبوغرافيىة اليوم بجبل ذارع سيدي ميمون، وقد اندثرت آثار هذا المدشر منذ أمد بعيد، وهناك دَرَس وتلقى العلوم القرآنية. وفيما بعد صار ميّالا للعزلة والتأمل، فابتعد عن الناس وأسس خلوة في المكان الذي دُفن فيه، ومن ثم فهو ليس شيخ زاوية ، وإنما رجل تقي عاش على غرار الزُّهّاد كما هو حال "الأولياء" الذين عاشوا على قمم جبل لخضر بناحية دكالة، ولا يُعرف إنْ صدرت عنه خوارق في حياته."
المصدر : مذكرة نائب المراقب المدني ، ورئيس ملحقة أحفير بتاريخ 21-9-1944- أرشيف مدينة نانط تحت رقم :
Maroc 177B Oujda-1912-1956-Inventaire 11.
معروف أن ضريح سيدي ميمون كان يقصده المغاربة المسلمون واليهود من أجل التبرك والتعافي من الصرع ، وكان شائعا أنه يعالج "المسكونين بالجن". وفي هذا السياق انتحل أحدهم في الستينيات من القرن الماضي صفة فقيه يستخرج الجن من المرضى ويكلمهم وغير ذلك من الترّهات إلى أن افتضح أمره. وقد عاينتُ بعض هذه الأفعال لما كنت في سن العاشرة.
بقلم الدكتور عكاشة برحاب
(2):وجدة والعمالة لفوانو الجزء 2 الصفحة 110
(3): إتحاف لابن زيدان ج:5 ص 102
(4):وجدة والعمالة لفوانو الجزء 2 الصفحة 123
الحملة الفرنسية على بني يزناسن 1859
ان مقاومة بني يزناسن تواصلت بدون هوادة ولا فتور ضد التوسع الاستعماري في التخوم المغربية الجزائرية. هذه الجموع كانت تغار على الفرنسيين بقيادة الحاج ميمون بن البشير او مسعود، وهذا تسبب في اشتباكات كبدت القوات الفرنسية خسائر مرعبة في ازوية، وفي فاتح سبتمبر في سيدي زاهر وفي 11 سبتمبر 1859م في تيولي.
في ظل هذه الاحداث، بدأت فرنسا تستعد بكل قواها العسكرية التي كانت مرابطة على الحدود لمعاقبة هذه القبائل وتأديبها وعدم التفكر مرة ثانية للهجوم على اراضيها.
إن القنصل الفرنسي كوستاف دو كاستيون Gustave De Castillon الذي كان يحتج من حين لآخر لدى الحكومة المغربية ويحملها عواقب الاحداث الجارية في شرق المغرب وفي نفس الوقت كان يلتمس من الدوائر العسكرية بالجزائر استعمال القوة واستغلال ظروف مواتية في جوانب شتى. ولذلك لم يتوان الجنرال مارتمبري Martimprey في إعداد العدة وحشد القوات بمارتمبري دي كيس Martimprey du kiss (احفير حاليا)، واتخذه معسكرا لجيشه الذي بلغ تعداده 566 ضابطا و 14.777 جنديا و4.807 فرسا او بغلا في سبتمبر واكتوبر 1859م .
توجه الجيش الفرنسي نحو قرية محمد أوبركان (مدينة أبركان حاليا) بينما تعرضت طلائع الجيش لنيران بني يزناسن بالاضافة إلى تفشي داء الكوليرا في صفوف الجيش الفرنسي.
ان بني يزناسن كانوا على إطلاع كامل بأن الجيش الفرنسي كان متوفقا عدة وعددا وخصوصا المدفعية التي كانت تمطر المقاومين بوابل من القنابل وهم في قمم الجبال، وابتداء من يوم الخميس 30 ربيع الاول 1276هــ / 27 اكتوبر 1859م انطلقت الحملة عبر طريق فخذة تاكمة التي هي في الحقيقة كانت غير متكافئة مع استبسالهم في ساحة المعركة، فأصاب الجنود الفرنسيين الارتباك والذعر لا سيما حينما بدأ المجاهدون يزعزعون عددا كبيرا من الصخور الضخمة في المنحدرات والمرتفعات فتنهال على فلول المعتدين وتدكهم دكا، ولهم الشرف إذ صمدوا الى الساعة السابعة مساء، ولعله يدل على قلة أو نفاذ ذخيرتهم.
بعد الهزيمة العسكرية للمغرب في معركة اسلي، اعقبتها هزيمة سياسية اخرى تتمثل في توقيع معاهدتي طنجة وللامغنية. إن اهم بند في معاهدة للامغنية هو تغيير الحدود من وادي تافنا الى وادي كيس، وبموجب نقل الحدود أصبحت بعض القبائل المغربية تابعة للسلطة الفرنسية، فقد كانت المشاكل تتراكم بين القبائل المتاخمة للحدود المغربية الجزائرية سنة بعد اخرى من جراء تشابك المصالح، ففي 4 ابريل 1852 قام 400 من المشاة ومثلهم من الفرسان ممن بني ادرار وأولاد الغازي وأولاد المنكار والمزاوير بالهجوم على أولاد ملوك من قبيلة بني واسين التي صارت ضمن القبائل الجزائرية بعد اتفاقية للا مغنية، وكان على رأس المجاهدين محمد المكي رأس زاوية أولاد سيدي رمضان. وكان مشكل المراعي هو أصل النزاع بين الطرفين، حيث تطاولت فرقة أولاد ملوك على المراعي التي كانت ملكا لبني يزناسن قبل تعيين خط الحدود، وظل هؤلاء متمسكين بحقهم في الارض رغم أنها أصبحت ضمن التراب الجزائري. في هذه الوقعة كان القتال على أشده، وفقد أولاد ملوك 17 قتيلا و 17 جريحا وتكبد بنو يزناسن 50 قتيلا. فعلى إثر هذه الهجومات حشد الجنرال دو منتوبان De Montauban في 10 ابريل 1852م ستة آلاف من المشاة واكثر من الف فارس وفرقة من المدفعية قرب مناصب كيس، ثم اكتسح ديار بني ادرار ولمزاوير بالجرف الاحمر وبفج الكربوص، واولاد الغازي واولاد بن عزة باغبال وسيدي ميمون(1)، وسيدي ميمون هذا هو عبارة عن قبة شرق أغبال، وقبيل الظهيرة تراجع الى التراب الجزائري محملا بالغنائم المتنوعة(2).
ورغم احتجاج العامل محمد بن الطاهر أعاد الكرة في 14 و 15 ماي بمنطقة أغبال، وفي 15 يونيو قام الفرنسيون بإفراغ مطامير زاوية اولاد سيدي رمضان فتلاحم المجاهدون بالمعتدين التحام الابطال والقوا عليهم الصخور من المرتفعات فدكوهم دكا وكسروا شوكتهم، وفي 24 يونيو أحرقت عدة قرى بأولاد المنكار وأولاد الغازي بعد مقاومة شديدة من طرف المجاهدين الذين جاءوا من قبائل بني وريمش وبني أدرار وأولاد المنكار وبني خلوف وبني مريصن وأهل تغجيرت، ولقد تزامنت هذه الحملات العدوانية مع موسم الحصاد فنهبت المحاصيل وفرقت جموع الحصادين بسهل تريفة.
وبما أن قبائل بني يزناسن كانت تتحمل أكثر من غيرها عبء المقاومة ضد الفرنسيين، فقد كانت تطالب سكان المدن والقرى بالمساهمة المادية فيها، بل تفرضها عليها بالقوة مثلما وقع في 1853م، 1854م، و 1855م، إذ هجم القائد ميمون على وجدة عدة مرات، وفي سبتمبر 1854م فرض عليها غرامة قدرها 20 الف فرنك مما جعل بعض الاعيان يلتمسون الحماية الفرنسية.
إستمرت المعارك متقطعة بين بني يزناسن والجيش الفرنسي ثلاثة أشهر (ابريل وماي ويونيو)، واستنجدت قبائل بني يزناسن بالمخزن أثناء هذه المحنة، فتدخل محمد عبد الصادق الذي كان على رأس محلة مخزنية بالريف، وتفاوض مع قواد الجيش الفرنسي قصد انهاء المعارك، فتم له ذلك وتراجع الجيش الفرنسي شرق واد كيس. وقد أراد السلطان مولاي عبد الرحمان ان يعفيهم من الضرائب مدة من الزمن جبرا لحالهم واعانة لهم على ما ضاع لهم. فردوا عليه بأنهم لم يقوموا إلا بواجبهم إزاء العدو، ولا يقبلوا أي إعفاء من الواجبات الشرعية(3).
عرفت قبائل بني يزناسن في بداية 1856 عدة صراعات بين افخاذها، فكانت سببا لحملهم السلاح في وجه بعضهم البعض، ولم يكن بمقدور القائد الحاج ميمون دوما السيطرة على الوضع. لكن الاولياء والمرابطين كانوا يقومون ببعض المساعي لاصلاح ذات البين بين الفرق المتناحرة وتمكنوا من اعادة السلام بينهم.
وفي 18 يوليوز 1856، عقد بنو يزناسن ميعادا بصفرو بقيادة الحاج ميمون لانهاء الخصومات المحلية إستعدادا لمواجهة النصارى. وفي 18 نونبر 1856، هاجم بنو يزناسن فرقة المراقبة التي كان يقودها الجنرال دوبوفور عند إنطلاقه من مناصب كيس، لكنهم تراجعوا وألجئوا الى الجبال.
وفي شهر مارس من سنة 1857، أطلق سراح الحاج محمد الزعيمي من قبل السلطان وعاد إلى قبيلته بني خالد محملا بالهدايا، فأصبح مستشارا للحاج ميمون ومسشاركا له في السلطة. وشكلت عودة الحاج محمد الزعيمي بين بني يزناسن مناسبة لظهور منافسات جديدة، رغم أن الحاج ميمون هو من ألح على هذه العودة بقوة، فقد خشي هذا الاخير من رؤية الحاج محمد الزعيمي وهو يستحوذ على جزء من السلطة، فقام يثير الناس ضده مما خلق بعض الشجارات. (4)
___________________
(1):سيدي ميمون هو من الأولياء مجهولي النسب، لا نكاد نعرف عنه تقريبا أي شيء، غير أن الفقيه اليعقوبي ء والد قائد تاغجيرت آنذاك (1944) المكي بن محمد اليعقوبيء الذي كان مولعا بالعلم والمعرفة ويُكنّ للولي المذكور كثيرا من التقديس، حاول تسليط الضوء على حياة سيدي ميمون.
كل ما يُعرف عن سيدي ميمون هو أنه كان يعيش في القرن السادس الهجري ( الثاني عشر ميلادي تقريبا) ، وكان كسائر أولياء المنطقة من أصل بربري. استوطن مدشر جراوة على السفح الجنوبي الغربي بقبيلة منكَوش ببني يزناسن بجبل باب الغـيل (الذراع) ، وهو ما يعرف في الخرائط الطوبوغرافيىة اليوم بجبل ذارع سيدي ميمون، وقد اندثرت آثار هذا المدشر منذ أمد بعيد، وهناك دَرَس وتلقى العلوم القرآنية. وفيما بعد صار ميّالا للعزلة والتأمل، فابتعد عن الناس وأسس خلوة في المكان الذي دُفن فيه، ومن ثم فهو ليس شيخ زاوية ، وإنما رجل تقي عاش على غرار الزُّهّاد كما هو حال "الأولياء" الذين عاشوا على قمم جبل لخضر بناحية دكالة، ولا يُعرف إنْ صدرت عنه خوارق في حياته."
المصدر : مذكرة نائب المراقب المدني ، ورئيس ملحقة أحفير بتاريخ 21-9-1944- أرشيف مدينة نانط تحت رقم :
Maroc 177B Oujda-1912-1956-Inventaire 11.
معروف أن ضريح سيدي ميمون كان يقصده المغاربة المسلمون واليهود من أجل التبرك والتعافي من الصرع ، وكان شائعا أنه يعالج "المسكونين بالجن". وفي هذا السياق انتحل أحدهم في الستينيات من القرن الماضي صفة فقيه يستخرج الجن من المرضى ويكلمهم وغير ذلك من الترّهات إلى أن افتضح أمره. وقد عاينتُ بعض هذه الأفعال لما كنت في سن العاشرة.
بقلم الدكتور عكاشة برحاب
(2):وجدة والعمالة لفوانو الجزء 2 الصفحة 110
(3): إتحاف لابن زيدان ج:5 ص 102
(4):وجدة والعمالة لفوانو الجزء 2 الصفحة 123
الحملة الفرنسية على بني يزناسن 1859
ان مقاومة بني يزناسن تواصلت بدون هوادة ولا فتور ضد التوسع الاستعماري في التخوم المغربية الجزائرية. هذه الجموع كانت تغار على الفرنسيين بقيادة الحاج ميمون بن البشير او مسعود، وهذا تسبب في اشتباكات كبدت القوات الفرنسية خسائر مرعبة في ازوية، وفي فاتح سبتمبر في سيدي زاهر وفي 11 سبتمبر 1859م في تيولي.
في ظل هذه الاحداث، بدأت فرنسا تستعد بكل قواها العسكرية التي كانت مرابطة على الحدود لمعاقبة هذه القبائل وتأديبها وعدم التفكر مرة ثانية للهجوم على اراضيها.
إن القنصل الفرنسي كوستاف دو كاستيون Gustave De Castillon الذي كان يحتج من حين لآخر لدى الحكومة المغربية ويحملها عواقب الاحداث الجارية في شرق المغرب وفي نفس الوقت كان يلتمس من الدوائر العسكرية بالجزائر استعمال القوة واستغلال ظروف مواتية في جوانب شتى. ولذلك لم يتوان الجنرال مارتمبري Martimprey في إعداد العدة وحشد القوات بمارتمبري دي كيس Martimprey du kiss (احفير حاليا)، واتخذه معسكرا لجيشه الذي بلغ تعداده 566 ضابطا و 14.777 جنديا و4.807 فرسا او بغلا في سبتمبر واكتوبر 1859م .
توجه الجيش الفرنسي نحو قرية محمد أوبركان (مدينة أبركان حاليا) بينما تعرضت طلائع الجيش لنيران بني يزناسن بالاضافة إلى تفشي داء الكوليرا في صفوف الجيش الفرنسي.
ان بني يزناسن كانوا على إطلاع كامل بأن الجيش الفرنسي كان متوفقا عدة وعددا وخصوصا المدفعية التي كانت تمطر المقاومين بوابل من القنابل وهم في قمم الجبال، وابتداء من يوم الخميس 30 ربيع الاول 1276هــ / 27 اكتوبر 1859م انطلقت الحملة عبر طريق فخذة تاكمة التي هي في الحقيقة كانت غير متكافئة مع استبسالهم في ساحة المعركة، فأصاب الجنود الفرنسيين الارتباك والذعر لا سيما حينما بدأ المجاهدون يزعزعون عددا كبيرا من الصخور الضخمة في المنحدرات والمرتفعات فتنهال على فلول المعتدين وتدكهم دكا، ولهم الشرف إذ صمدوا الى الساعة السابعة مساء، ولعله يدل على قلة أو نفاذ ذخيرتهم.
عربة جنائزية تحمل جثث الجنود الفرنسيين الذين قتلوا في 27 اكتوبر 1859 اليزناسنيون يزعزعون عددا كبيرا من الصخور في المنحدرات على الجنود الفرنسيين
وفي 29 اكتوبر سقطت تافوغالت في يد الفرنسيس، فأفزع بنو يزناسن لهذا الحدث لانهم كانوا يعتقدون أن جبالهم لا تنتهك لها حرمة، حينها رأى القائد ميمون بن البشيران يتفاوض على وقف إطلاق النار، فكتب إلى الجنرال مارتمبري الرسالة التالية:
" أثناء حكم مولاي عبد الرحمن، كنت دائما أحترم بنود المعاهدة وكنت أحاول أن أمنع السبا وبقيت على هذه الحال إلى يومنا هذا، كما في علمكم. وقد جئنا نلتمس منكم العفو، لأننا نعرف أن رجالا مثلكم لن يخيبوا رجاءنا والسلام. اعلمونا بما ترغبون فيه."
لم ينتظر الجنرال طويلا ليجيب، فبادر إلى الرد و وضع الشروط التي لا يمكن بدونها العفو عن بني يزناسن، الرسالة هي كما يلي:
" لقد توصل المارشال [1] بالرسالة التي تطلبون فيها الصلح عنكم، فكلفني بإخباركم أنه لم يأت إلى هنا من أجل مسألة حدود أو من أجل مسألة إخضاع، ولكن من أجل إصلاح الخطايا التي جعلت بني يزناسن مذنبين في حقنا. هذا الاصلاح يجب أن يتم بالطريقة التالية: في تقديرنا يمكن لجبلكم أن يسلح 1200 شخص فعلى كل واحد منهم أداء 25 دورو. وحتى يتم استخلاص كل المال، فإن المارشال يلزكم بإرسال رهائن من علية قومكم، ليبقوا رهن إشارتنا. وعندما يتم الالتزام كليا بشروط الاداء هاته، سيعيد إليكم المارشال هؤلاء الرهائن وسيترك الحصون التي شيدها بمناصب كيس وفي شعايب أو عمر [2]. فإن قبلتم بهذه الشروط، فعليكم إخبارنا بالامر في نفس اليوم بان تحضرور من تلقاء نفسكم، وإن رفضتم، ففي الغد ، إن شاء الله، سيطرقكم المارشال بجيوشه المنصورة، إن هذا الكتاب هو لكم بمثابة كتاب أمان لتدخلوا به إلى المعسكر." [3]
وفي صبيحة 30 اكتوبر 1859م التقى الحاج ميمون بالجنرال مارتمبري Martimprey بتافوغالت، والذي فرض عليه شروط منها دفع 100فرنك غرامة عن كل مقاتل، على اساس عدد المقاتلين اليزناسنيين قدر بحوالي 12000، وارسال 13 من اعيان قبائل بني يزناسن كرهائن الى تلمسان: " 1 من بني وريمش، 2 من بني منقوش، 4 من بني عتيق و 6 من بني خالد ".
مدد الجنرال مارتمبري Martimprey مدة إقامته في تافوغالت الى 4 نونبر لإظهار القوة والمهابة، وتخليدا لقتلاها الذين سقطوا في هذه الحرب شيدت فرنسا نصبا تذكاريا في تافوغالت وبالضبط بالمكان المسمى ب " أقبوز"، لكن هدمته بعد ذلك.
___________________
1: لم يكن مارتمبري مارشالا في وقتها، ولكن يبدو ان من اللياقة اسباغ هذا اللقب عليه في المراسلات العربية
2: ثكنة شعيب او عمرو هي ثكنة بركان
3: وجدة والعمالة فوانو ج 2 ص: 134 ــ 135
" أثناء حكم مولاي عبد الرحمن، كنت دائما أحترم بنود المعاهدة وكنت أحاول أن أمنع السبا وبقيت على هذه الحال إلى يومنا هذا، كما في علمكم. وقد جئنا نلتمس منكم العفو، لأننا نعرف أن رجالا مثلكم لن يخيبوا رجاءنا والسلام. اعلمونا بما ترغبون فيه."
لم ينتظر الجنرال طويلا ليجيب، فبادر إلى الرد و وضع الشروط التي لا يمكن بدونها العفو عن بني يزناسن، الرسالة هي كما يلي:
" لقد توصل المارشال [1] بالرسالة التي تطلبون فيها الصلح عنكم، فكلفني بإخباركم أنه لم يأت إلى هنا من أجل مسألة حدود أو من أجل مسألة إخضاع، ولكن من أجل إصلاح الخطايا التي جعلت بني يزناسن مذنبين في حقنا. هذا الاصلاح يجب أن يتم بالطريقة التالية: في تقديرنا يمكن لجبلكم أن يسلح 1200 شخص فعلى كل واحد منهم أداء 25 دورو. وحتى يتم استخلاص كل المال، فإن المارشال يلزكم بإرسال رهائن من علية قومكم، ليبقوا رهن إشارتنا. وعندما يتم الالتزام كليا بشروط الاداء هاته، سيعيد إليكم المارشال هؤلاء الرهائن وسيترك الحصون التي شيدها بمناصب كيس وفي شعايب أو عمر [2]. فإن قبلتم بهذه الشروط، فعليكم إخبارنا بالامر في نفس اليوم بان تحضرور من تلقاء نفسكم، وإن رفضتم، ففي الغد ، إن شاء الله، سيطرقكم المارشال بجيوشه المنصورة، إن هذا الكتاب هو لكم بمثابة كتاب أمان لتدخلوا به إلى المعسكر." [3]
وفي صبيحة 30 اكتوبر 1859م التقى الحاج ميمون بالجنرال مارتمبري Martimprey بتافوغالت، والذي فرض عليه شروط منها دفع 100فرنك غرامة عن كل مقاتل، على اساس عدد المقاتلين اليزناسنيين قدر بحوالي 12000، وارسال 13 من اعيان قبائل بني يزناسن كرهائن الى تلمسان: " 1 من بني وريمش، 2 من بني منقوش، 4 من بني عتيق و 6 من بني خالد ".
مدد الجنرال مارتمبري Martimprey مدة إقامته في تافوغالت الى 4 نونبر لإظهار القوة والمهابة، وتخليدا لقتلاها الذين سقطوا في هذه الحرب شيدت فرنسا نصبا تذكاريا في تافوغالت وبالضبط بالمكان المسمى ب " أقبوز"، لكن هدمته بعد ذلك.
___________________
1: لم يكن مارتمبري مارشالا في وقتها، ولكن يبدو ان من اللياقة اسباغ هذا اللقب عليه في المراسلات العربية
2: ثكنة شعيب او عمرو هي ثكنة بركان
3: وجدة والعمالة فوانو ج 2 ص: 134 ــ 135
كان من بين أهداف الغزو الفرنسي هو ردع قبائل بني يزناسن وانكاد و للمهاية والزكارة، وتأديبها وعدم التفكير مرة ثانية بالقيام بأي هجوم عليها، وطاردت فرقة من الجيش الفرنسي الاهالي الذين نزحوا الى الهضاب العليا بمواشيهم ودوابهم واموالهم لما سمعوا بانهيار مقاومة بني يزناسن. أما بقية الجيش التي فقدت حوالي 3000 من رجالها من جراء داء الكوليرا فنزلت من تافوغالت الى سهل انكاد عبر سيدي بوهرية مع الجنرال مارتمبري، ولقد كان لمرور تلك الحشود العسكرية أعظم الاثر على حياة الاهالي بسبب اعمال النهب والتخريب التي ارتكبتها في حق القبائل والمداشر، وهذا مما دفع اعيان لمهاية وانكاد الى التماس الامان من الضباط الفرنسيين مقابل غرامة باهضة مقدارها 40.000 فرنك.
وبطبيعة الحال فإن الاحتجاجات المغربية على الصعيد الرسمي ذهبت ادراج الرياح ولم يكن لها اية اهمية لا لدى الحكومة الفرنسية ولا لدى الجنرال مارتمبري Martimprey الذي رد الوفد المبعوث من طرف عامل وجدة خائبا قبل تنفيذ العدوان، بل امر بالقاء القبض على العامل نفسه الذي قصد معسكره بواحة سيدي يحيى في 10 نونبر، فحمله على باخرة من الغزوات الى طنجة بسبب موقفه الحازم وروحه الوطنية العالية. ولا عجب في هذا التصرف الفظيع الذي كان من عوامل الحرب النفسية التي كان لها مفعولها في ذهن اهالي شرق المغرب، والتي تجلت ايضا في النصبين التذكاريين الذين نصبهما الجيش الفرنسي في موقعة معركة اسلي الشهيرة في 9 نونبر 1859م، الاولى على تلة سيدي محمد بن عبد الرحمن أو تلة فات لمزايدة، والثاني على مرتفع اسلي، وذلك إحتفاء بتلك الوقعة واذكاء للنخوة الاستعمارية.
بعد الانتهاء من هذه الحملة اجلى الجنرال مارتمبري Martimprey كل المعسكرات التي اقامها باستثناء معسكر كيس Marimprey du kiss (احفير حاليا) الذي اعتبره مقرا للمراقبة وعدم اجلائه الى حين تأدية بني يزناسن لكل تعويضات الحرب التي فرضت عليهم، هذه التعويضات كان جد مكلفة حتى النساء ساهمن في دفعها ببيع جواهرهن وحليهن.
إنسحب الجيش الفرنسي من شرق المغرب في 11ــ 11ــ 1859م بعد ان خضع الجنرال مارتمبري قبائل بني يزناسن ولمهاية واهل انكاد والزكارة .
بعد انتهاء الحملة العسكرية الفرنسية التي تزامنت مع تولي المولى محمد بن عبد الرحمان السلطة، استمر الصراع القبلي على اشده بين القبائل، فكثر النهب والسرقة وسلب المسافرين لامتعتهم، حتي مدينة وجدة لم تسلم من الاغارة، مما تسبب في انتشار الهلع في المدينة وعجز العامل لحمايتها بسبب قلة الجنود الموجودين بها، ويضطر الى طلب المساعدة من لفوف القبائل القوية، او من الحاج ميمون بن البشير زعيم بني يزناسن الذي تقوى نفوذه في المنطقة، وصار العامل لا يقرر امرا إلا بمشورته، فقد كان الحاج ميمون هو من يهيمن على الاجتماعات، وهو من يوجه راي المجلس اما العامل فعليه فقط القبول والرضا(1)، فبعد ان القي القبض على احد زعماء قبيلة لمهايا العيد ولد بوجمعة وإيداعه السجن، اعتبر ذلك تدبيرا من الحاج ميمون، فكن له حقدا شديدا ودبر له مكيدة فاغتاله قرب وادي إيسلي يوم 4 شتنبر من سنة 1863م(2) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1: وجدة والعمالة فوانو جزء 2 ص: 145
2: نفس المصدر ص : 145
وبطبيعة الحال فإن الاحتجاجات المغربية على الصعيد الرسمي ذهبت ادراج الرياح ولم يكن لها اية اهمية لا لدى الحكومة الفرنسية ولا لدى الجنرال مارتمبري Martimprey الذي رد الوفد المبعوث من طرف عامل وجدة خائبا قبل تنفيذ العدوان، بل امر بالقاء القبض على العامل نفسه الذي قصد معسكره بواحة سيدي يحيى في 10 نونبر، فحمله على باخرة من الغزوات الى طنجة بسبب موقفه الحازم وروحه الوطنية العالية. ولا عجب في هذا التصرف الفظيع الذي كان من عوامل الحرب النفسية التي كان لها مفعولها في ذهن اهالي شرق المغرب، والتي تجلت ايضا في النصبين التذكاريين الذين نصبهما الجيش الفرنسي في موقعة معركة اسلي الشهيرة في 9 نونبر 1859م، الاولى على تلة سيدي محمد بن عبد الرحمن أو تلة فات لمزايدة، والثاني على مرتفع اسلي، وذلك إحتفاء بتلك الوقعة واذكاء للنخوة الاستعمارية.
بعد الانتهاء من هذه الحملة اجلى الجنرال مارتمبري Martimprey كل المعسكرات التي اقامها باستثناء معسكر كيس Marimprey du kiss (احفير حاليا) الذي اعتبره مقرا للمراقبة وعدم اجلائه الى حين تأدية بني يزناسن لكل تعويضات الحرب التي فرضت عليهم، هذه التعويضات كان جد مكلفة حتى النساء ساهمن في دفعها ببيع جواهرهن وحليهن.
إنسحب الجيش الفرنسي من شرق المغرب في 11ــ 11ــ 1859م بعد ان خضع الجنرال مارتمبري قبائل بني يزناسن ولمهاية واهل انكاد والزكارة .
بعد انتهاء الحملة العسكرية الفرنسية التي تزامنت مع تولي المولى محمد بن عبد الرحمان السلطة، استمر الصراع القبلي على اشده بين القبائل، فكثر النهب والسرقة وسلب المسافرين لامتعتهم، حتي مدينة وجدة لم تسلم من الاغارة، مما تسبب في انتشار الهلع في المدينة وعجز العامل لحمايتها بسبب قلة الجنود الموجودين بها، ويضطر الى طلب المساعدة من لفوف القبائل القوية، او من الحاج ميمون بن البشير زعيم بني يزناسن الذي تقوى نفوذه في المنطقة، وصار العامل لا يقرر امرا إلا بمشورته، فقد كان الحاج ميمون هو من يهيمن على الاجتماعات، وهو من يوجه راي المجلس اما العامل فعليه فقط القبول والرضا(1)، فبعد ان القي القبض على احد زعماء قبيلة لمهايا العيد ولد بوجمعة وإيداعه السجن، اعتبر ذلك تدبيرا من الحاج ميمون، فكن له حقدا شديدا ودبر له مكيدة فاغتاله قرب وادي إيسلي يوم 4 شتنبر من سنة 1863م(2) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1: وجدة والعمالة فوانو جزء 2 ص: 145
2: نفس المصدر ص : 145