علاقة بني يزناسن بالسوق في القرن 19 وبعد الاحتلال الفرنسي
إشهرت بلاد بني يزناسن بالاسواق على مر العصور والازمنة، بعضها باق ومازالت تقام و تؤدي دورها كما يجب وبعضها انقرضت لاسباب اجتماعية واقتصادية. وتعتبر هذه الاسواق مركزا اقتصاديا مهما تقام فيها المبادلات التجارية، وهي ايضا بمثابة ملتقى اجتماعي يلتقي فيها اليزناسنيون وغيرهم للتسوق وفض النزاعات القبلية او الخصومات بين افراد القبيلة علاوة على التطلع و التعرف على مستجدات الاحداث والاخبار وتداولها وتناقلها بواسطة البراح.
كانت هذه الاسواق تقام في كل قبيلة من إتحادية قبائل بني يزناسن وعلى مدار الاسبوع وتسمى بالمدشر أو اليوم التي تقام فيه، وتعرض فيه المنتوجات الفلاحية والحيوانية فضلا عن مختلف السلع الاسبانية والفرنسية كالاقمشة والشموع والنفط والبنادق والرصاص والسكر والشاي، فكانت تعقد في كل قبيلة على الشكل الاتي:
1) قبيلة بني وريمش:
ــ قصبة شراعة توصف بانها سوق مزدهرة تعقد مرتين في الاسبوع وترتادها قبائل بني يزناسن وقبائل عرب تريفة. إلا أن السلطات الفرنسية بعد إحتلال بني يزناسن نقلت السوق من قصبة شراعة إلى ابركان، حيث استحدثت مركزا إداريا كان نواة للمعمرين الفرنسيين للمنطقة.
ــ سوق الاثنين والخميس بقبيلة بني بوعبد السيد
ــ سوق الاربعاء بمدشر الحاج محمد ولد البشير، هذا السوق يرتاده ايضا اولاد بوعبد السيد، واولاد عبو، وبني محيو
ــ سوق تانزارت ببني وريمش.
2) قبيلة بني عتيق:
ــ اهل تغاسروت يرتادون سوق الاحد وسوق الاربعاء ببني وريمش وسوق الثلاثاء بتزغين.
ــ بني بويعلى يتسوقون من سوق الاحد
ــ سوق بني موسى يوم الاحد.
3) قبيلة بني منقوش:
ــ سوق اولاد علي اوماس يقام يومي الاحد والاربعاء بالمكان المسمى ب ڭدارا Gueddara، ويذهبون ايضا إلى سوقي الحيمر وعطية بالجزائر
ــ بني خلوف يرتادون سوق صفرو وڭدارا Gueddara
ــ سوق صفرو الذي يقام يوم الجمعة ترتاده قبيلتي لبصارة واهل صفرو.
4) قبيلة بني خالد:
ــ اهل تغجيرت لهم سوق يدعى تسنيا Tsnia ويوجد بين النجاجرة واولاد بن تالست.
ــ سوق اغبال الذي يقام يومي الثلاثاء والخميس كان يرتاده كل من القبائل التالية: اهل تغجيرت، اولاد الغازي، اولاد الزعيم، واولاد المنكار، وكانوا ايضا يرتادون سوقي الحيمر ولالة مغنية بالجزائر.
ومن الاسواق التي كان يرتادها اليزناسنيون اسواق غرب الجزائر لانها كانت تربطها مصالح مشتركة مع ساكنة هذا المناطق منذ قرون لكن بعد احتلالها من طرف الفرنسيين واستحداث خط الحدود فضلا عن طلب مقاطعة المولى عبد الرحمن بن هشام لهذه الاسواق بدليل ان مقاطعة هذه الاسواق هي مقاطعة للنصارى.
هذه المقاطعة كانت لها نتائج سلبية وأضرار خطيرة خاصة لموارد الدولة المالية مما أدى إلى تفاقم ظاهرة التهريب، ومن اجل تخفيف الضرر قرر المولى الحسن للقبائل التردد على أسواق الغرب الجزائري للتزود بكل ما تحتاجه.
وبعد الاحتلال الفرنسي كان بنو يزناسن يتسوقون من أسواق قبيلة كبدانة خاصة سوق زايو وسبع احوانت " سبعا ن تحونا " (1) ، رغم منعهم من ارتياد هذه الاسواق من طرف المستعمر الفرنسي لأنها كانت توجد في مناطق تحت الاستعمار الاسباني وكانت الدولتين الاستعماريتين تمنعان أي شخص باجتياز نهر ملوية الحد الفاصل بين القبيلتين، لكن الكل كان يجتاز بطريقة غير شرعية. ورغم إقامة حراسة على طول نهر ملوية فان السلطات الفرنسية فرضت رسوما على السلع المهربة عند إدخالها إلى أسواق المدن الشرقية.
أرادت فرنسا ابان احتلالها لكل بلاد بني يزناسن ان تنزع سلاح اليزناسنين الذين كان يمتلكون بنادق، وكانوا لا يتخلون عنها، يحملونها معهم أين ما حلوا و ارتحلوا. إستخدمت فرنسا براح السوق لنشر اعلان في كل الاسواق بني يزناسن مفاده ان فرنسا أصدرت قرارا بإعطاء بنادق جديدة ومتطورة لكل اليزناسنيين، فعلى الراغبين في تغيير بنادقهم يجب عليهم أولاً تسليم سلاحهم للحصول على البنادق الجديدة، لكنهم لم يتسلموا البنادق الجديدة وإنما كانت لعبة لنزع سلاحهم لتتقي شرهم، فحصلت على مبتغاها لتنفذ مشروعها الاستعماري بكل سهولة وبدون اي تضييق او مقاومة.
وللسوق ايضا دور فعال في نبذ الخلاف وتخفيف حدة التوتر خاصة بين القبيلتين اولاد البشير واولاد الهبيل حينما ارادت فرنسا بث الفرقة واثارة الفتن بينهما فحاولت ان تحي ذلك التنافس حول الزعامة بين العائلتين. فنصبت القائد سعيد بن بولنوار على بني عتيق ونصبت القائد المنصوري بن الحاج محمد الصغير على قبيلته بني وريمش.
محاولة بائسة من طرف فرنسا لكن رغم ذلك فأن القائدين سعيد والمنصوري كانا يلتقيان كل اسبوع بسوق تافوغالت في بلاد بني عتيق الذي يرتاده الوريمشيون ايضا.
منذ تأسيس مدينة ابركان في في أوائل القرن العشرين وهي في نمو وتطور متزايد، فسكنتها معظم قبائل بني يزناسن التي تعتمد على القطاع الفلاحي المحلي في معيشتها، فتطور سوق الثلاثاء بالمدينة وازدهر محليا ووطنيا ويعتبر مركزا فلاحيا مهما تعرض فيها كل المنتوجات الفلاحية المحلية والوطنية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): "سبعَ ن تحونا" وتعني سبعة دكاكين وهي محلات تجارية كانت توجد في سهل تاونڭاط على حافة نهر ملوية بقبيلة كبدانة، واسم تاونڭاط مازال يتداول لحد الآن خاصة لدى احدى فروع اولاد فسير التي سكنت السهل منذ القدم، وهذا الاسم ذكر ايضا في بعض الكتابات الفرنسية (انظر الصورة المرفقة ).
تعتبر "سبعَ نْ تحونا" مركزا تجاريا مهما لبني يزناسن وكبدانة وأهل انڭاد على السواء، بحيث ان كل هاته القبائل كانت ترتاده لإقتناء كل ماتحتاجه من مواد غذائية الاتية من مليلية، ونسيج كالقماش (الكتان) المادة التي كان يقتنيها بني موسي من قبيلة بني عتيق بكثرة.
أصحاب هذه المحلات التجارية هم: الحاج علي بن عبد الرحمان الفسيري ــ كان يمتلك دكانين ــ ومحمد الملقب ببوزليف الفسيري ــ يمتلك دكانا واحدا ـــ ، ومحمدين موسى او الحاج ـــ كان يمتلك دكانا واحدا ـــ ، والسيد امحمد الفسيري ـــ كان يمتلك دكانين ـــ ، و اعمر مخيي من دوار ابركانن بقبيلة كبدانة ـــ كان يمتلك دكانا واحدا ـــ .
هذه المنطقة التجارية تطورت وازدهرت وذاع صيتها في كامل المنطقة الشرقية، واصبحت مركزا للتسوق يستقطب أعداداً هائلة من الناس، مما ادى الى ربطه بمدينة زايو بخط النقل لتسهيل التجارة والنقل. ومن المتسوقين الذين كانوا يرتادون مركز سبع ن تحونا بعض اهالي عين الرڭادة الذين بدأوا يتعاطون للتهريب " الترابندو" بسبب قلة العمل عند المعمرين خلال الحرب العالمية الثانية، وفي هذا السياق يقول الاستاذ عبد الله الزغلي في كتابه "عين الرڭادة القصبة والتأسيس" الصفحة 125 مايلي:
" حدثني والدي قال: " كنا ننطلق من الرڭادة مشيا على الاقدام، ونمر شمال، او جنوب ابركان، في اتجاه وادي ملوية، مخترقين اراضي شراعة، ونعبر الى الضفة الغربية من الوادي، نتسوق من "سبع احوانت"، وبعد حزم السلعة على الظهر، نقفل راجعين..." ، ويضيف ايضا في الصفحة 126 من نفس الكتاب: " كانت المواد المهربة ــــ وهي عبارة عن شاي وقهوة وقماش ولوز ـــ من " سبع احوانت " متنوعة، وظروف نقلها الى نقط بيعها صعبة وشاقة، تبتدئ من قطع نهر ملوية، الذي يجب ان يتم ليلا، ومعرفة نقط تواجد العسس، التي تتغير باستمرار، وشراء الطريق اي دفع الرشاوي للعسس كيفما كان نوعهم وفي اي مكان، يتحدث مهربو عين الرڭادة عن شخص معروف يومها " بسبع احوانت " اسمه "اطجيو" يعمل بالمخزن الاسباني، كان يتقاضى عن كل مهرب ما قدره عشرة دورو، او يكون مصيره " ڭارمة" مركز حراسي اسباني.
لم يبق من سبع احوانت الا الاطلال ، اطلال تحمل بين طياتها ذكريات وملامح الكفاح من اجل توفير لقمة العيش في تلك الفترة العصيبة.
بعض الصور لاطلال سبع ن تحونا