هو القائد الدخيسي بن علي الهواري من قبيلة هوارة، من مواليد سنة 1863م، ويرجع توليته قائدا الى عهد المولى الحسن الاول. وفي عهد الاستعمار تمت توليته قائدا على كل قبائل عرب تريفة.
كان القائد الدخيسي في عهد ماقبل الاستعمار رجل 'البارود والخبز' على حد التعبير التقليدي السائد آنذاك، فكانت رصاصته لا تخطئ الهدف، كما كان منزله لا يخلو من الضيوف، والضيوف الكثيرين، وقد وهبه الله تواضعا ولطفا، فهو يحترم الشرفاء والعلماء والمسنين. وإلى جانب ذلك يتفقد قبيلته عائلة فعائلة، فيعود مرضاها ويواسي منكوبيها ويساعد عاريها وجائعها.
ابلى البلاء الحسن في عهد ثورة بو حمارة، وفي كل المواقف الوطنية كان موضع اعجاب واكبار، وحينما تطور الوعي الوطني الى المطالبة باعلان الاستقلال وقف موقف المدافع عن حرية الافكار، فانتشر الوعي الوطني في قيادته بصفة واسعة، وذلك بفضل مرونته وحسن سلوكه وتقديره للوعي الوطني.
وكان في احكامه الجنائية لايتعدى إلا نادرا الحكم بثلاثة اشهر، فهو القائد الوحيد الذي كان يحكم باربعة ايام، وسبعة ايام، وخمسة وعشرون يوما. ففي أثناء جلسات الحكم تسمعه يقول للجاني: اسكت وإلا عاقبتك بسجن طويل الامد، وحينما يصدر حكمه يكون شهرا او شهرين، ويقول للجاني خذ هذا العقاب الاليم جزاء وقاحتك، فاذا عاقب المراقب، خرج من الجلسة وهو يقول: هذا غير ممكن، حكام شبان لا عقل لهم يسيرون معنا قبيلتنا، ثم يذهب الى رئيس المراقبة ليشكوه ذلك الحاكم، فينبه رئيس المراقبة ذلك الحاكم الى استعمال الادب والحكمة مع القائد الدخيسي.
ويحدث ان تسدعي المراقبة بواسطة او بغير واسطة اشخاصا عديدين من قبيلته لمحاكمتهم بما في ذمتهم من ديون الدولة مثلا، وتعقد الجلسة ويقترح الحاكم عقابا بستة اشهر مثلا على كل واحد، فيغضب القائد ويقول: هؤلاء هم اعيان قبيلتي، فإذا قذفنا بهم الى السجن، فقد خربنا القبيلة، فيجيبه: ولكن هل السجن يؤدي ديون الدولة؟ فيسأله مرة ثانية: ولكن ما حل المشكلة؟ فتسمع القائد الدخيسي يقول: كم عليك يافلان؟ كذا... وانت؟ كذا الخ...ثم يقول: اما فلان وفلان ويذكر عددا من الاسماء، فانا الكفيل. وعلى من احكم انا؟ فيسأله الحاكم، ولكن هل تضيع ديون الدولة؟ بان يؤدوا دينهم في التاريخ الفلاني، ثم يؤدي ماعليهم من ديون، ثم يختم الجلسة بقوله: اخرجوا حشمتونا مع هؤلاء النصارى.
ومن لطائف احكامه، انه اثناء جلوسه للخصوم في مكتبه الخاص يكون معه خليفته وشيوخه وبعض اعيان القبيلة، فيتحاكم مثلا شخصان عنده، ويغضب لتصرف احدهما ضد الاخر، فيقول بغضب وبصوت عال: اكتب عليه شهرا من السجن ايها الخليفة، فياخذ المحكوم عليه في الاستغاثة ويساعده بعض الجالسين على ذلك فينطق القائد: اكتب عليه عشرين يوما، فتكرر الاستغاثة فيقول له: اكتب عليه خمسة عشر يوما، وتكرر الاستغاثة والقائد ينقص من المدة الى ان يقول له: اخرج من عندي واذا عدت الى مثل تصرفك "باصيتك" اي حكمت عليك بالسجن المؤبد.
ومن لطائفه ايضا، انه حينما يحكم على شخص بمدة ويقال له: ان عائلته لا تجد ما تأكل، فانه يبكي ويرسل لها كمية من الطعام او يزورها بنفسه ويقول لها، انا معذور في الحكم على والدكم او ابنكم بالسجن لانه فعل كذا وكذا، ولا تمكن مسامحته، وأثناء هذا الحديث تراه يذرف دموعا متواصلة، ويودع تلك العائلة وهو يقول: اسمحوا لي يا اولادي الله يصبركم.
كان القائد الدخيسي ذا اخلاق عالية، رجلا طيبا، وطيبوبته كانت تحول دون الاضرار بقبيلته. وأثناء احداث غشت بركان سنة 1953م امرته المراقبة باعتقال الاستقلاليين فرفض اوامرها وخوطب في شأن مبايعة عرفة فرفض ذلك ايضا، فصدر الامر بعزله .
وفي يوم الاربعاء ذي القعدة الحرام عام 1387هـ الموافق ل13 فبراير 1968م، كان القائد سابقا السيد الدخيسي الهواري في ضيافة الله، احسن الله ضيافته، وصباح الخميس الموالي شيع الى مقره الاخير مودعا من آلاف المعجبين من مكارم اخلاقه، فرحمة الله عليه واسكنه فسيح جناته.