تيزي يخلف
مدشر تيزي يخلف يقع جنوب مدينة ابركان بحوالي ثلاث كيلومترات اين توجد بحيرة واولوث، وقبة ضريح الولي الصالح سيدي عبد المؤمن جد آل ورطاس(1) الذي استوطن بني يزناسن حوالي القرن الخامس او السادس الهجري. وفي هذا المدشر كان جيش التحرير الجزائري يحتل منزلا واسعا في عهد كفاحه المسلح .
أما في ما يخص بحيرة واولوث فهي عبارة عن بحيرة صغيرة، ومن مائها تسقى الحدائق الجميلة واشجار البرتقال، هذا المساحات الخضراء تمنح مدينة بركان رونقا وجمالا. لذلك نظم فيها الشاعر والمؤرخ المرحوم قدور الورطاسي أجمل الابيات حيث يقول:
أين ولوث من مسارح طرفي *** وهي خرسى كم من معالم تخفى
ماؤها العذب طلسم السحر يشفى *** ذاك سر ما خط فيه بحرف
وشجير الصفصاف يرسل ظله
مثل صب يذري الدموع مدلة
وهو عاد يمتص بالرغم قبلة
غير مبد لحوبه المرعلة
إشتهرت البحيرة بأقاصيص شعبية تناقلها الاجداد والاحفاد بنوع من التنويع والتفريغ الابداعي التخيلي. ومفادها أن عجوزا اسمها واولوث كانت تسكن خيمة وسط حي على نفس أرض هذه العين قبل أن يتفجر ماؤها، كانت تملك عنزة تقتات من لبنها، ولها (مجرية ــ مجر) أي كلبة لها جراء. تقدم بها السن وضعف بصرها. وذات يوم وقبل غروب شمسه، قدم إلى الحي شيخ ذو لحية بيضاء على وجه وقار رجل تقي، بيده عصا تساعده في رحلته.
تقدم إلى خيمة العجوز وطلب ضيافة الله. رحبت به وأنزلته ضيفا عندها الليلة كلها. طبخت طعاما من نصيب ماتملكه من شعير، سقته بلبن العنزة، وزينته بلحمها. أكل الشيخ حتى شبع، وأمر المرأة بالاقتراب منه، مرر يده على عينيها فاستردت بصرها في الحين. طلب منها إحضار جلد الماعز، مسح يده عليه فأعادها للحياة كما كانت. وفعل نفس الشيء مع خيش الدقيق فامتلأ، وأوصاها أن تخبر سكان الحي بالرحيل في الغد باكرا، وضرب أوتاد الخيام في المكان الذي ستنقل اليه الكلبة مجرها. قضت العجوز ليلها في فرح وحيرة متسائلة في أمر الشيخ، وفي الغد، غادر الرجل/ البركة الخيمة بعد أن وعدها خيرا إذا ماعملت بوصيته. أعلمت المرأة أهل الحي فصدقها الكثير منهم، وراقبوا كلبتها حتى رأوها تنقل جراها واحدا واحدا بعيدا، وتضعهم تحت سدر. لم يخامر الشك إلا القليل منهم، فهرعوا إلى نقل خيامهم تباعا إلى أن خلا الربع. وفي نفس اليوم أمطرت السماء سيلا تفجر معه نبع، وسموه منذ ذلك الزمان عين لالة واولوث. تناقلت الالسنة قصة العجوز والشيخ فقالوا أن الشيخ هو عبد القادر الجيلالي جاء من بغداد، فلما مر بالمكان ورأى ما أصاب الناس من ضيق في العيش بفعل الجفاف، لم يتأخر في إكرامهم بنبع دافق فتح عليهم أبواب الرزق بامتهان الزراعة. واعترافا بصنيع الشيخ/البركة، بنى أهل الحي له مقاما يزار، سموه مقام سيدي عبد القادر الجيلالي، تنظم فيه وحوله الولائم. ومع الايام، إعتاد الناس زيارة المقام والعين / البركة، يغتسل بمائها قبل شروق الشمس كل من به غبن ما، عقرا كان أو مرضا أو عنوسة أو حاجة من حوائج الدنيا. ولا تقضي حاجة الطالب ــ اعتقادا ــ إلا إذا ذبح دجاجة، أو رمى رغيفا أو عجينا وسط ماء العين مناديا عن شيء اسمه "مسعود"، ويعتقد الكثير أنه سمك من نوع خاص، يسمع طلب الداعي فيلبي رغبته، وهو من بركة الشيخ.
هذه هي إذن الحكاية الشعبية التي ارتبطت بعن واولوث. يرويها كل راو حسب قدراته، إما بالزيادة أو النقصان لطبيعة الحكي الشفهي. وللتذكير، فإن عين واولوث عرفت في الخمسينات والستينات خصوبة قوية في الاسماك، فكانت محجا لكل ولوع بالصيد. ومن الاحداث التي تؤكد ذلك، ما ترسخ في أذهان كثير من أبناء المنطقة، ذلك أنه في سنة 1958 ــ 1959، وقبل استقلال الجزائر الشقيقة، كان جيش التحرير الجزائري يتخذ ضيعة بلحاج (FERME) الواقعة على مرتفع قريب من العين ثكنة له، ففكر في استغلال ما بها من أسماك. استعمل متفجرات في العمق، فطفا السمك على السطح، وأكل الناس الأسماك لعدة أيام، وعم الاستياء لدى الكثير منهم بسبب هذا الفعل الذي رأوا فيه مسا بقدسية المكان. انتشر الخبر وسط القبائل، فتوافد الناس لمعاينة الأمر، خاصة أن العديد منهم كان يعتقد أن (المينا) قتلت "مسعود". قيل ماقيل، ومع الايام تناسوا الحدث، وأصبح لا يذكر إلا نادرا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1):قبة سيدي عبد المومن جد الورطاسيين بمدشر تيزي يخلف (واولوث) قرب مدينة أبركان بقبيلة بني عتيق. تذكر بعض الروايات ان هذا الولي الصالح قد استوطن بني يزناسن حوالي القرن الخامس أو السادس الهجري ، ونسبه يتصل بآل البيت وللشرفاء الورطاسيين ظهائر عدة من مختلف الملوك العلويين بقصد التوقير والاحترام.
من بين الالقاب العائلية للورطاسيين نجد: العمراوي، طاهري، عابدي، يوسفي، بنسالم، زريفي، رفاعي، حساني، ورطاسي، مومنة، مومني، مسعودي، بنسعيد، طالبي، شراك، عكيف، فاريد، حمزاوي، جليل، صباني، جعقوق، الغرناطي. وهناك ايضا بدشرة بيدر بمسيردة على مقربة من مرسى بن مهيدي ولاية تلمساب بالجزائر قبة لضريح يحمل نفس الاسم الا وهو سيدي عبد المومن بوقبرين، لهذا السبب سمي ببوقبرين، وتحكي بعض الروايات ان قبيلتين تنازعوا عليه اين يدفن حتى جاءهم رجل وقال لهم اني رايت في المنام وهو مدفون في قبرين.
المصادر:
بنو يزناسن عبر الكفاح الوطني، صفحة 29. قدور الورطاسي
أوراق و أجناس صفحة 19،18،17. عبد الحميد حادوش
مدشر تيزي يخلف يقع جنوب مدينة ابركان بحوالي ثلاث كيلومترات اين توجد بحيرة واولوث، وقبة ضريح الولي الصالح سيدي عبد المؤمن جد آل ورطاس(1) الذي استوطن بني يزناسن حوالي القرن الخامس او السادس الهجري. وفي هذا المدشر كان جيش التحرير الجزائري يحتل منزلا واسعا في عهد كفاحه المسلح .
أما في ما يخص بحيرة واولوث فهي عبارة عن بحيرة صغيرة، ومن مائها تسقى الحدائق الجميلة واشجار البرتقال، هذا المساحات الخضراء تمنح مدينة بركان رونقا وجمالا. لذلك نظم فيها الشاعر والمؤرخ المرحوم قدور الورطاسي أجمل الابيات حيث يقول:
أين ولوث من مسارح طرفي *** وهي خرسى كم من معالم تخفى
ماؤها العذب طلسم السحر يشفى *** ذاك سر ما خط فيه بحرف
وشجير الصفصاف يرسل ظله
مثل صب يذري الدموع مدلة
وهو عاد يمتص بالرغم قبلة
غير مبد لحوبه المرعلة
إشتهرت البحيرة بأقاصيص شعبية تناقلها الاجداد والاحفاد بنوع من التنويع والتفريغ الابداعي التخيلي. ومفادها أن عجوزا اسمها واولوث كانت تسكن خيمة وسط حي على نفس أرض هذه العين قبل أن يتفجر ماؤها، كانت تملك عنزة تقتات من لبنها، ولها (مجرية ــ مجر) أي كلبة لها جراء. تقدم بها السن وضعف بصرها. وذات يوم وقبل غروب شمسه، قدم إلى الحي شيخ ذو لحية بيضاء على وجه وقار رجل تقي، بيده عصا تساعده في رحلته.
تقدم إلى خيمة العجوز وطلب ضيافة الله. رحبت به وأنزلته ضيفا عندها الليلة كلها. طبخت طعاما من نصيب ماتملكه من شعير، سقته بلبن العنزة، وزينته بلحمها. أكل الشيخ حتى شبع، وأمر المرأة بالاقتراب منه، مرر يده على عينيها فاستردت بصرها في الحين. طلب منها إحضار جلد الماعز، مسح يده عليه فأعادها للحياة كما كانت. وفعل نفس الشيء مع خيش الدقيق فامتلأ، وأوصاها أن تخبر سكان الحي بالرحيل في الغد باكرا، وضرب أوتاد الخيام في المكان الذي ستنقل اليه الكلبة مجرها. قضت العجوز ليلها في فرح وحيرة متسائلة في أمر الشيخ، وفي الغد، غادر الرجل/ البركة الخيمة بعد أن وعدها خيرا إذا ماعملت بوصيته. أعلمت المرأة أهل الحي فصدقها الكثير منهم، وراقبوا كلبتها حتى رأوها تنقل جراها واحدا واحدا بعيدا، وتضعهم تحت سدر. لم يخامر الشك إلا القليل منهم، فهرعوا إلى نقل خيامهم تباعا إلى أن خلا الربع. وفي نفس اليوم أمطرت السماء سيلا تفجر معه نبع، وسموه منذ ذلك الزمان عين لالة واولوث. تناقلت الالسنة قصة العجوز والشيخ فقالوا أن الشيخ هو عبد القادر الجيلالي جاء من بغداد، فلما مر بالمكان ورأى ما أصاب الناس من ضيق في العيش بفعل الجفاف، لم يتأخر في إكرامهم بنبع دافق فتح عليهم أبواب الرزق بامتهان الزراعة. واعترافا بصنيع الشيخ/البركة، بنى أهل الحي له مقاما يزار، سموه مقام سيدي عبد القادر الجيلالي، تنظم فيه وحوله الولائم. ومع الايام، إعتاد الناس زيارة المقام والعين / البركة، يغتسل بمائها قبل شروق الشمس كل من به غبن ما، عقرا كان أو مرضا أو عنوسة أو حاجة من حوائج الدنيا. ولا تقضي حاجة الطالب ــ اعتقادا ــ إلا إذا ذبح دجاجة، أو رمى رغيفا أو عجينا وسط ماء العين مناديا عن شيء اسمه "مسعود"، ويعتقد الكثير أنه سمك من نوع خاص، يسمع طلب الداعي فيلبي رغبته، وهو من بركة الشيخ.
هذه هي إذن الحكاية الشعبية التي ارتبطت بعن واولوث. يرويها كل راو حسب قدراته، إما بالزيادة أو النقصان لطبيعة الحكي الشفهي. وللتذكير، فإن عين واولوث عرفت في الخمسينات والستينات خصوبة قوية في الاسماك، فكانت محجا لكل ولوع بالصيد. ومن الاحداث التي تؤكد ذلك، ما ترسخ في أذهان كثير من أبناء المنطقة، ذلك أنه في سنة 1958 ــ 1959، وقبل استقلال الجزائر الشقيقة، كان جيش التحرير الجزائري يتخذ ضيعة بلحاج (FERME) الواقعة على مرتفع قريب من العين ثكنة له، ففكر في استغلال ما بها من أسماك. استعمل متفجرات في العمق، فطفا السمك على السطح، وأكل الناس الأسماك لعدة أيام، وعم الاستياء لدى الكثير منهم بسبب هذا الفعل الذي رأوا فيه مسا بقدسية المكان. انتشر الخبر وسط القبائل، فتوافد الناس لمعاينة الأمر، خاصة أن العديد منهم كان يعتقد أن (المينا) قتلت "مسعود". قيل ماقيل، ومع الايام تناسوا الحدث، وأصبح لا يذكر إلا نادرا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1):قبة سيدي عبد المومن جد الورطاسيين بمدشر تيزي يخلف (واولوث) قرب مدينة أبركان بقبيلة بني عتيق. تذكر بعض الروايات ان هذا الولي الصالح قد استوطن بني يزناسن حوالي القرن الخامس أو السادس الهجري ، ونسبه يتصل بآل البيت وللشرفاء الورطاسيين ظهائر عدة من مختلف الملوك العلويين بقصد التوقير والاحترام.
من بين الالقاب العائلية للورطاسيين نجد: العمراوي، طاهري، عابدي، يوسفي، بنسالم، زريفي، رفاعي، حساني، ورطاسي، مومنة، مومني، مسعودي، بنسعيد، طالبي، شراك، عكيف، فاريد، حمزاوي، جليل، صباني، جعقوق، الغرناطي. وهناك ايضا بدشرة بيدر بمسيردة على مقربة من مرسى بن مهيدي ولاية تلمساب بالجزائر قبة لضريح يحمل نفس الاسم الا وهو سيدي عبد المومن بوقبرين، لهذا السبب سمي ببوقبرين، وتحكي بعض الروايات ان قبيلتين تنازعوا عليه اين يدفن حتى جاءهم رجل وقال لهم اني رايت في المنام وهو مدفون في قبرين.
المصادر:
بنو يزناسن عبر الكفاح الوطني، صفحة 29. قدور الورطاسي
أوراق و أجناس صفحة 19،18،17. عبد الحميد حادوش