بنو يزناسن وقسوحية الراس
إن بني يزناسن معروفون تاريخيا بالعناد " قسوحية الراس " وهذه "القسوحية" تبدو سلبية في معناها لكن لها جانب ايجابي وهي تعبير عن التمسك بالحق ومقاومة الظلم ، بالإضافة إلى عدم الانصياع بسهولة وعدم الذل والهوان حتى ولو قادهم اعتزازهم بأنفسهم إلى غيابات السجون.
أود ان أسرد بعض الاقاصيص والمقولات التي تتعلق بقسوحية راس اليزناسنيين ولكن في جانبها الإيجابي كما اسلفت الذكر.
يقول الحسن الوزان المعروف بليون الافريقي علي جبل بني يزناسن في كتابه وصف افريقيا ما يلي:
" يضم هذا الجبل مداشر عديدة يسكنها قوم ذو بأس شديد "
بالفعل فقد كان بنو يزناسن يحاربون بكل قوة وشجاعة ولهم ماض مشرف في الدفاع عن حوزة الوطن وفي جهادهم ضد الطغيان الفرنسي، والمعارك التي خاضوها مع الفرنسيين تبين انهم من اقوى القبائل في كل انحاء المغرب الشرقي وهذا أعتراف الفرنسيين انفسهم فضلا عن تسمية دباباتهم باسم "بني يزناسن".
ويصف الناصري في كتابه الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى بني يزناسن بانهم ثغر من ثغور المسلمين وعصبة تدخر لنصرة الدين، لأنهم كانوا دائمين متعلقين بالوحدة المغربية، وهذا التعلق بالوحدة منشأه عناصر الآباء والعزة والكرم التي عرف بها بنو يزناسن على مر الاجيال.
وهذا مشهد رائع يدل على كرامة وعزة النفس التي كان يتحلى بها اليزناسنيون خاصة الوطنيون الاستقلاليون منهم المرحوم قدور الورطاسي، والمشهد ابان الاحتلال الفرنسي ويرجع إلى سنة 1945م. حين خرج المجاهد قدور الورطاسي رحمه الله من السجن يوم الاحد 19 فبراير 1945م، وبعد بضعة أسابيع إستدعاه سيروك رئيس المراقبة الفرنسي ببركان ودار معه هذا الحوار:
سيروك: هل خرجت من السجن؟
سي قدور : أنا معك الآن
سيروك: ولم لم تزرني
سي قدور: لم أر موجبا لذلك
وكان يتحدث اليه وهو مُطْرِق فلما رأى الاجوبة مقتضبة رفع بصره إليه وقال:
سيروك: إذا كنت لم تتعض بالسجن فسترى ماهو أكثر
سي قدور: إلى ذلك الوقت لك ان تفعل ماتشاء
سيروك : يظهر انك عصبي
سي قدور : لا، انني وطني
سيروك: ولكن كان من اللياقة ان تزورني بعد خروجك من السجن
سي قدور: لو كان المفروض انني كنت موفدا في مهمة للمراقبة
سيروك: اخرج من مكتبي
سي قدور: لقد دخلته بإذنك، وها انا ذاهب الى حال سبيلي
وبعد خروج اسي قدور الورطاسي رحمه الله من مكتبه قال سيروك للترجمان: هذا رأسه قاسح، آه كل بني يزناسن هكذا، لا يزيدهم الضعط إلا عنادا.
وهذا برونيل Brunel رئيس الناحية إبان الاحتلال الذي كان يتلضى من الحنق والغيض على بني يزناسن وكان يعتبرهم المحرك الاساسي لكل حدث يحدث في المغرب الشرقي، يسأل اولا هل هناك احد من بني يزناسن في هذه الملحقة فإذا أجيب بالإيجاب ، قال: إن هذا اليزناسني سبب البلاء فيصدر امره بالتنكيل بكل يزناسني في تلك الملحقة.
وهاكم موقف آخر ويتجلى في موقف المجاهد احمد بن عزوز الذي رفض للانصياع و للاغراءات الفرنسية التي بموجبها قد يرجع الى وجدة حيث كان يقيم بعدما طرد منها مع يزناسنيين آخرين إثر احداث وقعت في وجدة وجرادة بين مغاربة ويهود قتل فيها بعض اليهود في يونيو 1948م، ويرد على المراقب الفرنسي بكل عز وكرامة ــــ وليست هذه قسوحية الراس ــــ ويقول له انني افضل العيش بالبقول كما تعيش الحيوانات على ان اتنازل عن عقيدتي.
موقف بطولي آخر من المقاوم السيد موسى برياح رحمه الله حينما سأله رئيس دائرة بركان رامونة:" هل أنت تفهم معنى الاستقلال؟ ففهم هذا الاستقلالي من رئيس الدائرة أنه يسخر من بساطته وأميته فأجابه ساخرا : "نعم أفهم معنى الاستقلال كامل الفهم . ان معنى الاستقلال أن تفارق أنت هذا الكرسي، وأجلس عليه أنا."
وعلى الرغم من قساوة أسلوب الجواب ضبط المراقب أعصابه وسأله مرة ثانية: "هل أنت يا موسى برياح تستطيع أن تجلس مكاني هذا، وتستطيع أن تضطلع بما اضطلع به من مهام عظيمة تحتاج إلى ثقافة وخبرة ؟ ".
فابتسم موسى برياح رحمه الله وأجابه: "لا تتخيل أن قصدي أن تقوم أنت موسيو رامونة وأجلس أنا: موسى برياح. لا.. وإنما ضربت لك مثالا بهذه الجزئية فقط، وإلا فإني أقصد ـــ وأنت تعلم ما أقصد ـــ أن يسلم الفرنسيون حكم البلاد لأهل البلاد " .
وهناك مواقف عديدة يطول ذكرها والتي تدل على " قسوحية الراس " بني يزناسن التي اراها ايجابية والتي من اجلها لم تستطع فرنسا احتلالنا إلا سنة 1908م يعني بعد عام كامل من احتلال وجدة سنة 1907م ، هذه القسوحية هي التي جعلتنا نقاوم فرنسا اشد المقاومة ونكبدها خسائر فادحة رغم عدم تكافؤ القوى ، ولكن بالعزيمة والعز والكرامة في سبيل الذود عن حوزة الوطن من طغيان الجيوش الفرنسية، وتستحق بجدارة ما قاله عنها السيد الناصري سابقا من انها ثغر من ثغور المسلمين ، وعصبة تدخر لنصرة الدين.
وأخيرا اختم بقصة العالم علي بن العروسي الذي كان كاتبا لدى القائد محمد الكروج الصغير، فكتب العالم رسالة بإسمه يقول فيها لأحد من أعوان القائد أن تمشي إلى فلان وذكر اسمه لتأمره بالقدوم إلينا، فلما أراد القائد أن يوقعها عاب عليه كلمة: تمشي! وطلب من الشيخ ان يبدلها بكلمة: تذهب، فغضب الشيخ وقال له: أتنكر علي كلمة في القرآن! ورمى بالدواة والقلم والقرطاس، وأقسم أن لايبقى كاتبا عنده و خرج. وحاول القائد أن يسترضيه، فقال: لا أكتب لقائد ينكر لغة القرآن، إنني لا أكتب إلى فرعون! فالله تعالى قال لموسى وهارون: إذهبا الى فرعون إنه طغى.
وخلاصة القول ان لليزناسني نفس أبية لا ترضى الحياة الذليلة ويصدق تماما قول القائل: (( إذا سقط الذباب على طعام ... رفعت يدي ونفسي تشتهيه ))، فاليزناسني يفضل أن يقضي جوعا وعطشا على أن ينال شيئا يحس فيه برائحة الذل والإهانة.