الامير عبد القادر وبني يزناسن
في عام 1246هـ/1831م إستولى الفرنسيون على وهران من القطر الجزائري، حينئذ طلب اهل تلمسان الانضمام إلى المملكة المغربية ومبايعة السلطان المولى عبد الرحمن، فقبل ذلك منهم وولى عليهم ابن عمه المولى علي بن المولى سليمان واوصى المولى عبد الرحمن عامل اقليم وجدة السيد ادريس الجراري بمؤازرة المولى علي. غير ان عهد خلافة هذا الاخير لم يطل، فلقد ظهرت الخيانة في بعض القبائل واضطربت الاحوال، فسحب المولى عبد الرحمن ابن عمه علي وتركهم لتخاذلهم وخيانتهم موفرا قوته للدفاع عن المملكة المغربية .
وبين موجة هذه الاضطرابات في إقليم تلمسان وضواحيها قام الامير عبد القادر بمهمة الدفاع عن الجزائر، ولما ظهر منه ما ظهر من نشاط للدفاع عن دار الاسلام أخذ المولى عبد الرحمن يمده بمختلف المعونات. لكن الفرنسيين رغم ذلك استولوا على جميع القطر الجزائري سنة 1259هـ / 1843م وحينذاك كان الامير عبد القادر يلجأ تارة إلى بني يزناسن، وتارة الى الريف، وتارة إلى الصحراء .
أخذ الامير عبد القادر يشن غاراته على الفرنسيين إنطلاقا من هذه المناطق المغربية مما أثار حفيظة الجيش الفرنسي، وبدأ هو ايضا بالقيام بغارات على وجدة وبني يزناسن. تكررت هذه الغارات وقد بلغ من حقد الفرنسيين على اليزناسنيين ان توغلوا في بعض غاراتهم الى ان وصلوا الى تافوغالت، ثم انقضوا عليهم اليزناسنيون ولم ينج منهم الا القليل، وهذه ليست المجزرة الاولى التي اوقع اليزناسنيون بالجيوش الفرنسية، فلقد لقيت نفس المصير في كل غارة تشنها على بني يزناسن لا سيما وهم أقسى المحاربين ويضربون المثل في الشجاعة و البسالة، وكل ذلك والجيوش الفرنسية تعاود الغارة تلو الاخرى لكسر حدة الوجديين واليزناسنيين والانتقام منهم. واخيرا اقتحم الجيش الفرنسي مدينة وجدة على حين غفلة من اهلها وكثر عيثه على الحدود الشرقية متعللا بنقض الهدنة (هدنة كانت معقودة بين المغرب وفرنسا في عهد السلطان المولى محمد بن عبد الله) وذلك بالسماح بالغارات عليه وبمحاربة بني يزناسن مع الامير عبد القادر ومده بالخيل والسلاح والمال .
تتمة أخبار الامير عبد القادر في القسم " معاهدة طنجة وللا مغنية " .
بنو يزناسن و معركة إيسلي :29 رجب 1260هـ / 14ــ08ــ1844 م
إن المراحل التي قطعتها المقاومة الشعبية التي استقطبها الامير عبد القادر امام التغلغل الاستعماري في الديار الاسلامية الجزائرية والنتائج المترتبة عنها احدثت تغييرات خطيرة و معقدة في مقتضيات العلاقات الفرنسية المغربية من جراء العوامل الاتية:
1- هجرة عدد كبير من الجزائريين للاستقرار بالمغرب وذلك حفاظا على انفسهم واموالهم وعقيدتهم .
2- تقهقر المقاومين الجزائريين امام الجيش الفرنسي في 1843م من الغرب الجزائري الى شرق المغرب لمواصلة الكفاح اعتمادا على مساندة المملكة المغربية بالعتاد والمال والرجال .
3- رغبة الفرنسيين في رسم حدود رسمية لمستعمرتهم الجديدة خصوصا مع المغرب الشرقي بعد ان وطدوا وجودهم بالجيوش الجرارة والاضطهاد والنهب والقتل وبعد ان دفعوا جيش عبد القادر وراء وادي تافنا في التراب المغربي لمحاصرته وعزله عن مناصريه الجزائريين .
وحين شعر الملك مولاي عبد الرحمان بازدياد الضغوط الفرنسية على الاهالي في المناطق الشرقية وبالاخطار المحدقة بالسيادة الوطنية صمم العزم على مواجهة الموقف بالتدخل المباشر للقوات المغربية واعلان الجهاد ضد الغزاة الكافرين. وفي الوقت الذي كانت الاستعدادات تجري على قدم وساق من الجانبين والامدادات تساق الى المنطقة الحساسة اقدمت السلطات الفرنسية على إرتكاب اول خطوة عدوانية على التراب الوطني حين استولى الجنرال لامورسيير Lamorciere على قرية لالة مغنية في صفر 1260هــ/ابريل 1844م بخمسة آلاف جندي معززين بثمانية مدافع ليؤسس بها قاعدة عسكرية امامية محصنة بخندق عرضه اربعة امتار وعمقه متران، والهدف من هذه الخطوة هو مراقبة التحركات المغربية التي اخذت شكل تجمعات كبيرة للمتطوعين الذين جاءوا من كل حدب وصوب من قبائل بني يزناسن ولمهاية وانكاد وغيرها لمؤازرة الجيش المغربي الذي رابط هناك استجابة لنداء الجهاد والدفاع عن الوطن .
في يوليوز عين المولى عبد الرحمن ولي عهده سيدي محمد الذي كان يناهز عمره 25 سنة قائدا على المحلة (1) التي انطلقت من مراكش نحو وجدة. لما وصل الامير الى ضواحي وجدة بوادي اسلي يوم 6 غشت واخذ يرتب محلته للتصدي للهجومات العدوانية .
وفي يوم 14 غشت وقعت معركة إيسلي (2) بين الجيش المغربي و الجيش الفرنسي بقيادة بيجو Bugeaud القادم من الاراضي الجزائرية، وكان الجيش المغربي يبلغ 60 ألف مقاتل نصفه من اليزناسنيين، وانهزم الجيش المغربي امام الجيش الفرنسي لضعف القيادة الحربية وسوء التنظيم. أما الامير عبد القادر فلم يشارك في المعركة وكان معه 500 فارس وسبب عدم مشاركته هو إختلافه في الرأي مع المولى محمد بن عبد الرحمن وأنه أدلى بآراء لم تقبل منه ولذا لازم الحياد .
من الواجب ان يكون الامير عبد القادر أول المحاربين وأن ينصر إخوته في الدين وأن لا ينسى صنيع السلطان وخاصة بني يزناسن الذين أمدوه بالرجال والمال والسلاح، وأن بلادهم (بني يزناسن) كانت ملجأ آمنا له ولقواته وكان ينطلق منها لشن غاراته على الفرنسيين ثم يرجع إليها .
وكانت باستطاعة فرنسا التوسع والتوغل والاستيلاء على المغرب نهائيا لكن انجلترا والمانيا وايطاليا رفضت هذا التوغل، لأنها هي أيضا كانت تهتم بمستقبل المغرب نظرا لما لها من مصالح إقتصادية، وكانت هناك صراعات بين هذه الدول حول المغرب، ولهذا السبب تاجل إحتلال المغرب مدة من الزمن .
وفي المجال الدبلوماسي دخلت العلاقات المغربية الفرنسية في طور جديد من جراء مظاهر الضعف التي انطوت عليها من جهة وبسبب المساعي التي بذلتها انجلترا لتفادي استفحال مخلفات الازمة من جهة اخرى فابرمت معاهدتان، الاولى بطنجة، والثانية بلالة مغنية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1: المحلة: جيش السلطان مكان نزوله
2: إيسلي: في امازيغية بني يزناسن تعني الحجرة الكبيرة المصفحة والملساء التي توجد في مجرى الواد والتي يغسل عليها الاهالي ملابسهم، وفي امازيغية سوس فتعني: العريس
في عام 1246هـ/1831م إستولى الفرنسيون على وهران من القطر الجزائري، حينئذ طلب اهل تلمسان الانضمام إلى المملكة المغربية ومبايعة السلطان المولى عبد الرحمن، فقبل ذلك منهم وولى عليهم ابن عمه المولى علي بن المولى سليمان واوصى المولى عبد الرحمن عامل اقليم وجدة السيد ادريس الجراري بمؤازرة المولى علي. غير ان عهد خلافة هذا الاخير لم يطل، فلقد ظهرت الخيانة في بعض القبائل واضطربت الاحوال، فسحب المولى عبد الرحمن ابن عمه علي وتركهم لتخاذلهم وخيانتهم موفرا قوته للدفاع عن المملكة المغربية .
وبين موجة هذه الاضطرابات في إقليم تلمسان وضواحيها قام الامير عبد القادر بمهمة الدفاع عن الجزائر، ولما ظهر منه ما ظهر من نشاط للدفاع عن دار الاسلام أخذ المولى عبد الرحمن يمده بمختلف المعونات. لكن الفرنسيين رغم ذلك استولوا على جميع القطر الجزائري سنة 1259هـ / 1843م وحينذاك كان الامير عبد القادر يلجأ تارة إلى بني يزناسن، وتارة الى الريف، وتارة إلى الصحراء .
أخذ الامير عبد القادر يشن غاراته على الفرنسيين إنطلاقا من هذه المناطق المغربية مما أثار حفيظة الجيش الفرنسي، وبدأ هو ايضا بالقيام بغارات على وجدة وبني يزناسن. تكررت هذه الغارات وقد بلغ من حقد الفرنسيين على اليزناسنيين ان توغلوا في بعض غاراتهم الى ان وصلوا الى تافوغالت، ثم انقضوا عليهم اليزناسنيون ولم ينج منهم الا القليل، وهذه ليست المجزرة الاولى التي اوقع اليزناسنيون بالجيوش الفرنسية، فلقد لقيت نفس المصير في كل غارة تشنها على بني يزناسن لا سيما وهم أقسى المحاربين ويضربون المثل في الشجاعة و البسالة، وكل ذلك والجيوش الفرنسية تعاود الغارة تلو الاخرى لكسر حدة الوجديين واليزناسنيين والانتقام منهم. واخيرا اقتحم الجيش الفرنسي مدينة وجدة على حين غفلة من اهلها وكثر عيثه على الحدود الشرقية متعللا بنقض الهدنة (هدنة كانت معقودة بين المغرب وفرنسا في عهد السلطان المولى محمد بن عبد الله) وذلك بالسماح بالغارات عليه وبمحاربة بني يزناسن مع الامير عبد القادر ومده بالخيل والسلاح والمال .
تتمة أخبار الامير عبد القادر في القسم " معاهدة طنجة وللا مغنية " .
بنو يزناسن و معركة إيسلي :29 رجب 1260هـ / 14ــ08ــ1844 م
إن المراحل التي قطعتها المقاومة الشعبية التي استقطبها الامير عبد القادر امام التغلغل الاستعماري في الديار الاسلامية الجزائرية والنتائج المترتبة عنها احدثت تغييرات خطيرة و معقدة في مقتضيات العلاقات الفرنسية المغربية من جراء العوامل الاتية:
1- هجرة عدد كبير من الجزائريين للاستقرار بالمغرب وذلك حفاظا على انفسهم واموالهم وعقيدتهم .
2- تقهقر المقاومين الجزائريين امام الجيش الفرنسي في 1843م من الغرب الجزائري الى شرق المغرب لمواصلة الكفاح اعتمادا على مساندة المملكة المغربية بالعتاد والمال والرجال .
3- رغبة الفرنسيين في رسم حدود رسمية لمستعمرتهم الجديدة خصوصا مع المغرب الشرقي بعد ان وطدوا وجودهم بالجيوش الجرارة والاضطهاد والنهب والقتل وبعد ان دفعوا جيش عبد القادر وراء وادي تافنا في التراب المغربي لمحاصرته وعزله عن مناصريه الجزائريين .
وحين شعر الملك مولاي عبد الرحمان بازدياد الضغوط الفرنسية على الاهالي في المناطق الشرقية وبالاخطار المحدقة بالسيادة الوطنية صمم العزم على مواجهة الموقف بالتدخل المباشر للقوات المغربية واعلان الجهاد ضد الغزاة الكافرين. وفي الوقت الذي كانت الاستعدادات تجري على قدم وساق من الجانبين والامدادات تساق الى المنطقة الحساسة اقدمت السلطات الفرنسية على إرتكاب اول خطوة عدوانية على التراب الوطني حين استولى الجنرال لامورسيير Lamorciere على قرية لالة مغنية في صفر 1260هــ/ابريل 1844م بخمسة آلاف جندي معززين بثمانية مدافع ليؤسس بها قاعدة عسكرية امامية محصنة بخندق عرضه اربعة امتار وعمقه متران، والهدف من هذه الخطوة هو مراقبة التحركات المغربية التي اخذت شكل تجمعات كبيرة للمتطوعين الذين جاءوا من كل حدب وصوب من قبائل بني يزناسن ولمهاية وانكاد وغيرها لمؤازرة الجيش المغربي الذي رابط هناك استجابة لنداء الجهاد والدفاع عن الوطن .
في يوليوز عين المولى عبد الرحمن ولي عهده سيدي محمد الذي كان يناهز عمره 25 سنة قائدا على المحلة (1) التي انطلقت من مراكش نحو وجدة. لما وصل الامير الى ضواحي وجدة بوادي اسلي يوم 6 غشت واخذ يرتب محلته للتصدي للهجومات العدوانية .
وفي يوم 14 غشت وقعت معركة إيسلي (2) بين الجيش المغربي و الجيش الفرنسي بقيادة بيجو Bugeaud القادم من الاراضي الجزائرية، وكان الجيش المغربي يبلغ 60 ألف مقاتل نصفه من اليزناسنيين، وانهزم الجيش المغربي امام الجيش الفرنسي لضعف القيادة الحربية وسوء التنظيم. أما الامير عبد القادر فلم يشارك في المعركة وكان معه 500 فارس وسبب عدم مشاركته هو إختلافه في الرأي مع المولى محمد بن عبد الرحمن وأنه أدلى بآراء لم تقبل منه ولذا لازم الحياد .
من الواجب ان يكون الامير عبد القادر أول المحاربين وأن ينصر إخوته في الدين وأن لا ينسى صنيع السلطان وخاصة بني يزناسن الذين أمدوه بالرجال والمال والسلاح، وأن بلادهم (بني يزناسن) كانت ملجأ آمنا له ولقواته وكان ينطلق منها لشن غاراته على الفرنسيين ثم يرجع إليها .
وكانت باستطاعة فرنسا التوسع والتوغل والاستيلاء على المغرب نهائيا لكن انجلترا والمانيا وايطاليا رفضت هذا التوغل، لأنها هي أيضا كانت تهتم بمستقبل المغرب نظرا لما لها من مصالح إقتصادية، وكانت هناك صراعات بين هذه الدول حول المغرب، ولهذا السبب تاجل إحتلال المغرب مدة من الزمن .
وفي المجال الدبلوماسي دخلت العلاقات المغربية الفرنسية في طور جديد من جراء مظاهر الضعف التي انطوت عليها من جهة وبسبب المساعي التي بذلتها انجلترا لتفادي استفحال مخلفات الازمة من جهة اخرى فابرمت معاهدتان، الاولى بطنجة، والثانية بلالة مغنية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1: المحلة: جيش السلطان مكان نزوله
2: إيسلي: في امازيغية بني يزناسن تعني الحجرة الكبيرة المصفحة والملساء التي توجد في مجرى الواد والتي يغسل عليها الاهالي ملابسهم، وفي امازيغية سوس فتعني: العريس