معاهدة طنجة 26 شعبان 1260هـــ/10ــ9ــ1844م
لقد نصت هذه المعاهدة على الشروط الاتية: ان المحلة المغربية التي سترابط بوجدة لا تتعدى الفي رجل، وان القواد المغاربة الذين تسببوا في الاحداث الاخيرة سيعاقبون على فعلهم، وانه لايمكن لعبد القدر الجزائري ان يواصل حربه ضد فرنسا من التراب المغربي، وانه لابد من الاتفاق على الحدود بين الدولتين في اقرب الآجال، على اساس الحدود التي كانت موجودة بين المملكة المغربية والايالة الجزائرية اثناء حكم الاتراك لها قبل الاحتلال الفرنسي .
معاهدة للا مغنية 9 ربيع الاول 1261هـــ / 18ــ3ــ1845م
هذه المعاهدة قررت ان الحدود المغربية الجزائرية هي وادي كيس بدلا من وادي تافنا، وان بعض القبائل القاطنة على الشريط الحدودي اصبحت تحت امرة السلطة الاستعمارية ظلما وعدوانا لدرجة ان المولى عبد الرحمن لم يرض ببنود هذه المعاهدة التي صكها الجنرال دولاري De Larue كمندوب للحكومة الفرنسية يساعده الجنرال مارتمبري Martimprey الذي كلف بجمع المعلومات حول الحدود كما كانت أيام الاتراك، والذي رسم الخريطة المعتمدة في محضر تعيين الحدود، والعامل أحميدة بن علي المفاوض المغربي الذي اتهم بالخيانة، لانه تنازل عن الحقوق المغربية التاريخية مقابل رشاوي او هدايا مالية، وان المفوض المغربي ارتكب خطأ فادحا ثانيا حين ترك المناطق الجنوبية الواقعة بين ثنية الساسي وواحة فكيك كانها جزء من الصحراء المترامية الاطراف التي يصعب تحديدها، وبذلك فتح بابا للغزوات الفرنسية في المستقبل لتطويق المغرب لضم أجزاء أخرى من ترابه تدريجيا إلى التراب الجزائري ، الذي كانت تعتبره فرنسا مقاطعة فرنسية، ثم إستكمال المخطط التوسعي بالاحتلال العسكري والسياسي.
وان الثغرات التي وضعت عمدا في اتفاقية للا مغنية تبرهن عن الدهاء السياسي للمفوضين الفرنسيين الذين سيخلقون مشاكل لا حصر لها للمخزن المغربي بوجدة وخاصة عندما قررت فرنسا اعفاء القبائل التي ضمت الى مستعمرتهم من الضرائب السنوية لكي تؤلف قلوب القبائل التابعة لها ، وايضا الاحتجاج على السلطات المغربية التي كانت تطالب تلك القبائل باداء الزكوات والاعشار لانها تعتبر تابعة لها.
إن إتفاق للا مغنية ينص في بنده الاول على عدم إشهار معالم الحدود بالحجارة أو ماشابه ذلك، كما نص على عدم البناء بخط الحدود من هذا الجانب أو من ذاك. إلا أن السلطات الفرنسية خرقت ذلك عندما بنت برجا غير بعيد عن وادي كيس سنة 1882م بدعوى حماية سوق أسبوعي"سوق الحيمر"، ويبعد عن البحر بحوالي 4 كلم.
علم السلطان مولاي الحسن بخطورة الوضع فبادر إلى تشييد قصبة عجرود أو القصبة السعيدة بعجرود سنة 1884م عند مصب وادي كيس لتكون شهادة إثبات ومعلمة بارزة تحصن التراب المغربي من كل توسع محتمل، ساهمت قبائل عمالة وجدة مساهمة نقدية، وقد قدرتها التقارير الفرنسية بِألف فرنك لقبائل بني يزناسن، و خمسمائة فرنك لقبائل أنكاد والمهاية وكبدانة وقلعية، هذا البناء أثار احتجاج السلطات الفرنسية التي اعتبرته خرقا لما جاء في البند الاول من إتفاق للا مغنية، ناسية أو متناسية ما أقدمت عليه من بناء البرج المذكور ضاربة البند الاول من معاهدة للا مغنية عرض الحائط.
وهناك دوافع أخرى من بناء هذه القصبة هي محاربة التهريب الذي كان متفشيا عبر خط الحدود، ومراقبة التراب الوطني. هذه القصبة بنيت تحت إشراف عامل وجدة عبد المالك السعدي وربما سميت القصبة على إسمه، وهناك أسماء أخرى لهذه القصبة التي كانت تنعت بها: قصبة عجرود، سعيدة عجرود، القصبة السعيدة، السعيدة.أما لفظ السعيدية فاطلق عليها من طرف الفرنسيين وفرضت هذا الاسم عندما استعمرت المنطقة سنة 1907م، وهناك قول آخر هو ان الفرنسيين غيروا اسم السعيدة الى السعيدية لتمييز 'سعيدة' الجزائر و'سعيدة' المغرب(1).
ان اتفاقيتي طنجة و للا مغنية كانتا ضربة قوية للحركة الجهادية للامير عبد القادر، لان معاهدة طنجة تنص كما ذكرنا انا المغرب لا يمكن له ان يساند الامير عبد القادر، ولكن سرعان ما اصبح وجود الامير في التخوم الشرقية يجلب للمغرب مصاعب دبلوماسية، وبالذات مع فرنسا وانجلترا، لانه لم يوف بالتزاماته المنصوص عليها في معاهدة طنجة، فقد حاول المولى عبد الرحمن اقناع الامير عبد القادر بمواصلة الجهاد انطلاقا من الصحراء تفاديا للمشاكل الناجمة عن عدم تطبيق مقتضيات اتفاقيتي طنجة وللا مغنية، مستعملا معه سياسة الحكمة واللين، لكن الامير ابى واستكبر وراودته فكرة انشاء كيان سياسي لزعزة العرش العلوي، ثم وقعت معارك بينه وبين الجيش المغربي آخرها معركة بموقع مشرع الرحايل قرب نهر ملوية الذي انهزم فيها، فقصد الزاوية البوتشيشية في جبل تغجيرت ليحتمي بشيخها المختار القادري الذي كان من أصدقائه، فظن فيه انه يقوم بشأنه فإذا به رأى منه ما أنكره وبلغه عن قومه ما أنذره وحذره. ولا غرابة في هذا الموقف من جانب بني يزناسن الذين كانوا متشبثين بالطاعة للعاهل المغربي. ولا شك ان هذه الحمية الوطنية الشامخة التي لاتصمد امامها اطماع الدخلاء والمغامرين أذهلت عبد القادر فولى وجهه شطر ميناء الغزوات حيث استسلم لحاكم الجزائر ديك دومال Duc D'Aumale في 23 ــ 12 ــ 1847م. ثم اكرمه نابوليون وارسل الى دمشق الى ان وافاه الاجل هناك معززا مكرما .
لما انتهى امر الامير عبد القادر وبعد استسلامه للجيش الفرنسي، تجددت الصراعات القبلية بين بني يزناسن ، وعرفت عدة صراعات بين أفخاذها، ففي شهر اكتوبر من سنة 1848 إتحد بنو وريمش وبنو عتيق ضد بني خالد الذين تسببوا في اعتقال قائدهم الحاج محمد الزعيمي بتحريض من اهل انڭاد. إنهزم بنو خالد وانسحبوا في 20 اكتوبر إلى ناحية الحدود الجزائرية، لكن الجيش الفرنسي رفض دخولهم الى الى الترابب الجزائري، وعندما رجع بنو وريمش إلى جبالهم عاد بنو خالد بدورهم الى مواطنهم.
_________________
(1): السعيدية " سعيدة " ساحل المتوسط ــ عكاشة برحاب ص: 54
لقد نصت هذه المعاهدة على الشروط الاتية: ان المحلة المغربية التي سترابط بوجدة لا تتعدى الفي رجل، وان القواد المغاربة الذين تسببوا في الاحداث الاخيرة سيعاقبون على فعلهم، وانه لايمكن لعبد القدر الجزائري ان يواصل حربه ضد فرنسا من التراب المغربي، وانه لابد من الاتفاق على الحدود بين الدولتين في اقرب الآجال، على اساس الحدود التي كانت موجودة بين المملكة المغربية والايالة الجزائرية اثناء حكم الاتراك لها قبل الاحتلال الفرنسي .
معاهدة للا مغنية 9 ربيع الاول 1261هـــ / 18ــ3ــ1845م
هذه المعاهدة قررت ان الحدود المغربية الجزائرية هي وادي كيس بدلا من وادي تافنا، وان بعض القبائل القاطنة على الشريط الحدودي اصبحت تحت امرة السلطة الاستعمارية ظلما وعدوانا لدرجة ان المولى عبد الرحمن لم يرض ببنود هذه المعاهدة التي صكها الجنرال دولاري De Larue كمندوب للحكومة الفرنسية يساعده الجنرال مارتمبري Martimprey الذي كلف بجمع المعلومات حول الحدود كما كانت أيام الاتراك، والذي رسم الخريطة المعتمدة في محضر تعيين الحدود، والعامل أحميدة بن علي المفاوض المغربي الذي اتهم بالخيانة، لانه تنازل عن الحقوق المغربية التاريخية مقابل رشاوي او هدايا مالية، وان المفوض المغربي ارتكب خطأ فادحا ثانيا حين ترك المناطق الجنوبية الواقعة بين ثنية الساسي وواحة فكيك كانها جزء من الصحراء المترامية الاطراف التي يصعب تحديدها، وبذلك فتح بابا للغزوات الفرنسية في المستقبل لتطويق المغرب لضم أجزاء أخرى من ترابه تدريجيا إلى التراب الجزائري ، الذي كانت تعتبره فرنسا مقاطعة فرنسية، ثم إستكمال المخطط التوسعي بالاحتلال العسكري والسياسي.
وان الثغرات التي وضعت عمدا في اتفاقية للا مغنية تبرهن عن الدهاء السياسي للمفوضين الفرنسيين الذين سيخلقون مشاكل لا حصر لها للمخزن المغربي بوجدة وخاصة عندما قررت فرنسا اعفاء القبائل التي ضمت الى مستعمرتهم من الضرائب السنوية لكي تؤلف قلوب القبائل التابعة لها ، وايضا الاحتجاج على السلطات المغربية التي كانت تطالب تلك القبائل باداء الزكوات والاعشار لانها تعتبر تابعة لها.
إن إتفاق للا مغنية ينص في بنده الاول على عدم إشهار معالم الحدود بالحجارة أو ماشابه ذلك، كما نص على عدم البناء بخط الحدود من هذا الجانب أو من ذاك. إلا أن السلطات الفرنسية خرقت ذلك عندما بنت برجا غير بعيد عن وادي كيس سنة 1882م بدعوى حماية سوق أسبوعي"سوق الحيمر"، ويبعد عن البحر بحوالي 4 كلم.
علم السلطان مولاي الحسن بخطورة الوضع فبادر إلى تشييد قصبة عجرود أو القصبة السعيدة بعجرود سنة 1884م عند مصب وادي كيس لتكون شهادة إثبات ومعلمة بارزة تحصن التراب المغربي من كل توسع محتمل، ساهمت قبائل عمالة وجدة مساهمة نقدية، وقد قدرتها التقارير الفرنسية بِألف فرنك لقبائل بني يزناسن، و خمسمائة فرنك لقبائل أنكاد والمهاية وكبدانة وقلعية، هذا البناء أثار احتجاج السلطات الفرنسية التي اعتبرته خرقا لما جاء في البند الاول من إتفاق للا مغنية، ناسية أو متناسية ما أقدمت عليه من بناء البرج المذكور ضاربة البند الاول من معاهدة للا مغنية عرض الحائط.
وهناك دوافع أخرى من بناء هذه القصبة هي محاربة التهريب الذي كان متفشيا عبر خط الحدود، ومراقبة التراب الوطني. هذه القصبة بنيت تحت إشراف عامل وجدة عبد المالك السعدي وربما سميت القصبة على إسمه، وهناك أسماء أخرى لهذه القصبة التي كانت تنعت بها: قصبة عجرود، سعيدة عجرود، القصبة السعيدة، السعيدة.أما لفظ السعيدية فاطلق عليها من طرف الفرنسيين وفرضت هذا الاسم عندما استعمرت المنطقة سنة 1907م، وهناك قول آخر هو ان الفرنسيين غيروا اسم السعيدة الى السعيدية لتمييز 'سعيدة' الجزائر و'سعيدة' المغرب(1).
ان اتفاقيتي طنجة و للا مغنية كانتا ضربة قوية للحركة الجهادية للامير عبد القادر، لان معاهدة طنجة تنص كما ذكرنا انا المغرب لا يمكن له ان يساند الامير عبد القادر، ولكن سرعان ما اصبح وجود الامير في التخوم الشرقية يجلب للمغرب مصاعب دبلوماسية، وبالذات مع فرنسا وانجلترا، لانه لم يوف بالتزاماته المنصوص عليها في معاهدة طنجة، فقد حاول المولى عبد الرحمن اقناع الامير عبد القادر بمواصلة الجهاد انطلاقا من الصحراء تفاديا للمشاكل الناجمة عن عدم تطبيق مقتضيات اتفاقيتي طنجة وللا مغنية، مستعملا معه سياسة الحكمة واللين، لكن الامير ابى واستكبر وراودته فكرة انشاء كيان سياسي لزعزة العرش العلوي، ثم وقعت معارك بينه وبين الجيش المغربي آخرها معركة بموقع مشرع الرحايل قرب نهر ملوية الذي انهزم فيها، فقصد الزاوية البوتشيشية في جبل تغجيرت ليحتمي بشيخها المختار القادري الذي كان من أصدقائه، فظن فيه انه يقوم بشأنه فإذا به رأى منه ما أنكره وبلغه عن قومه ما أنذره وحذره. ولا غرابة في هذا الموقف من جانب بني يزناسن الذين كانوا متشبثين بالطاعة للعاهل المغربي. ولا شك ان هذه الحمية الوطنية الشامخة التي لاتصمد امامها اطماع الدخلاء والمغامرين أذهلت عبد القادر فولى وجهه شطر ميناء الغزوات حيث استسلم لحاكم الجزائر ديك دومال Duc D'Aumale في 23 ــ 12 ــ 1847م. ثم اكرمه نابوليون وارسل الى دمشق الى ان وافاه الاجل هناك معززا مكرما .
لما انتهى امر الامير عبد القادر وبعد استسلامه للجيش الفرنسي، تجددت الصراعات القبلية بين بني يزناسن ، وعرفت عدة صراعات بين أفخاذها، ففي شهر اكتوبر من سنة 1848 إتحد بنو وريمش وبنو عتيق ضد بني خالد الذين تسببوا في اعتقال قائدهم الحاج محمد الزعيمي بتحريض من اهل انڭاد. إنهزم بنو خالد وانسحبوا في 20 اكتوبر إلى ناحية الحدود الجزائرية، لكن الجيش الفرنسي رفض دخولهم الى الى الترابب الجزائري، وعندما رجع بنو وريمش إلى جبالهم عاد بنو خالد بدورهم الى مواطنهم.
_________________
(1): السعيدية " سعيدة " ساحل المتوسط ــ عكاشة برحاب ص: 54